بعد خمس ساعات من إسدال الستار على مسرحية «خلف الحبايب»، ماتت بطلتها الفنانة الكبيرة «مارى منيب» فى 21 يناير، مثل هذا اليوم، 1969، وفقا لجريدة الأهرام فى عددها 22 يناير 1969.
أضحكت مارى منيب جمهورها فى ليلتها الأخيرة كما لم تضحكه من قبل، حسبما تذكر الأهرام، وتضيف: «أخذت تتحدث فى الكواليس عن ذكرياتها مع أستاذها نجيب الريحانى، وكأنها تحس أن هذه ليلتها الأخيرة على خشبة المسرح، وصدق إحساسها بعد أن عاشت فى هذه الدنيا 65 عاما، وحين غادرت المسرح فى الثانية صباحا وعادت إلى بيتها فى حدائق شبرا، أكلت برتقالة كما تعودت كل ليلة، ثم نامت، وفى السادسة صباحا سمع زوجها عبدالسلام فهمى صوتا غريبا يصدر منها، فنادى عليها لكنها لم ترد، وحاول إيقاظها، فلم ترد، وصرخ ليستيقظ أولادها «كوثر» و«بديع» و«ظافر» ليصطدموا بالحقيقة التى هى «ماتت أمهم، ماتت مارى منيب».. ماتت الفنانة التى أضحكت الملايين فى عشرات الأفلام والمسرحيات التى قدمتها، ماتت صاحبة أجمل إيفيهات كوميدية مثل «انت بتشتغلى إيه» فى مسرحية «إلا خمسة».
وصفتها «الأهرام» بـ«عميدة المسرح الكوميدى»، وفى الصفحة الأخيرة من الأهرام ، 22 يناير 1969 ، قدمت الكاتبة الصحفية والناقدة المسرحية «آمال بكير» صورة بانورامية عنها، قائلة فيها: «شحنات الضحكة والمرح وخفة الروح المصرية الدافئة، بنت البلد بلسانها اللاذع، الهانم التركية بتعاليها الكاذب، الحماة التى طالما لاحقت الشبان فى عز أولادها، إنها أحد معالم الكوميديا المصرية، وأطعم عجينة قدمها «مطبخ» الضحك الرفيع، مطبخ نجيب الريحانى كما كان يسمى مسرحه.. مارى منيب أو أمينة عبدالسلام وهو اسمها بعد أن أشهرت إسلامها .. بدأت حياتها الفنية «لمامة سبارس» على خشبة مسرح «ماجستيك» مع فرقة على الكسار ، وكانت وقتها فى الثامنة من عمرها ولم يكن ارتقاؤها خشبة المسرح عن رغبة فى الفن ولا حبا فى التمثيل، ولكن لحاجة أسرتها للجنيهات الخمسة التى تقبضها فى آخر كل شهر، فالأم توقفت لتعمل خياطة بعد موت زوجها، والابنة ارتقت خشبة المسرح لتساعد الأسرة الصغيرة».
تضيف بكير: «لكن أمينة أحبت التمثيل بعدما نطقت بأول جملة على خشبة المسرح ، وكانت : مفيش بن»، ووقتها كانت تقوم بدور خادمة فى إحدى مسرحيات فرقة «أمين عطا الله» ومن يومها لم تترك خشبة المسرح ، انتقلت من فرقة يوسف عز الدين إلى الكسار إلى يوسف وهبى وفاطمة رشدى، وأخيرا استقرت فى فرقة نجيب الريحانى التى تعمل بها منذ 23 عاما، وظلت بها وعملت فى كل أفلام نجيب الريحانى، ولم يقدر أى فيلم بعدها أن يصل إلى مستواها فى إيراد الشباك ، ومنذ شهر واحد ، وبعد 40 عاما من السينما تحقق لها أمنيتها بالبطولة لأحد الأفلام، وكان فيلم «لصوص ظرفاء» وهو أعز أمنية وآخر عمل قامت به أيضا أسند إليها فيه دور البطولة المخرج إبراهيم لطفى أمام أحمد مظهر وعادل إمام ، مستفيدة بخبراتها من تكوين الجملة وتحويلها ببساطة إلى نكتة».
حبستها السينما المصرية فى دور «الحماة»، لكنها «أجادته وحولته إلى أداة للسخرية ، ولم تكن دوما الحماة الكريهة ، بل أنها نجحت فى الإفلات من أن تجعله منفرا أو نمطيا»، حسبما يذكر الكاتب والناقد محمود قاسم فى الجزء الأول من كتابه «الكوميديا والغناء فى الفيلم المصرى .. أبطال الضحك فى السينما المصرية»، ويستشهد «قاسم» بأفلامها «حماتى قنبلة ذرية» لحلمى رفلة 1951، و«بيت الطاعة» ليوسف وهبى 1953 ، و«الحموات الفاتنات» لحلمى رفلة 1953، و«كذبة أبريل» لمحمد عبد الجواد 1954 ، و«هذا هو الحب» لصلاح أبوسيف 1958 ، و«حماتى ملاك» لعيسى كرامة 1959، و«جمعية قتل الزوجات» لحسن الصيفى 1962، و«اعترافات زوج» لفطين عبدالوهاب 1964، و«حكاية جواز» لحسن الصيفى 1964، و«العائلة الكريمة» لفطين عبدالوهاب 1964.
يذكر قاسم ، أن أداء مارى منيب بدأ كحالة متفردة خاصة، لم تنافسها فيها ممثلة أخرى، مثل سامية رشدى ونعيمة الصغير وإحسان شريف ، رغم التقارب الجسمانى بين بعض هؤلاء الممثلات وبينها مثل البدانة الملحوظة، والتقدم فى السن إلى ما يبلغ مرحلة الأمومة، وأيضا الصوت الأجش، والانتماء إلى الطبقة الشعبية.
يؤكد قاسم، أن مارى منيب هى الوحيدة من جيل الكوميديا اللاتى استطعن الحصول على شعبية وجماهيرية دفعت ببعض المخرجين إلى منحها البطولة المطلقة فى بعض الأفلام ، مثل «الناس اللى تحت» و«أم رتيبة» الذى بدا وكأنه مكتوب من أجلها وأخرجه سيد بدير عام 1959.