كانت الجمعية العمومية (البرلمان) تواصل انعقادها يوم 10 فبراير، مثل هذا اليوم، 1910، وكانت المظاهرات تطوف شوارع القاهرة، وكان الحدث الذى يلهب الجميع هو مناقشة الجمعية العمومية لمشروع «مد امتياز قناة السويس 40 عاما»، تبدأ فى 1968 موعد نهاية «الامتياز الأول»، بما يعنى أن القناة تبقى خارج سيطرة مصر حتى 2008.
فى يوم 9 فبراير 1910 وقف الخديو عباس حلمى الثانى، يلقى كلمته فى افتتاح الجمعية العمومية، عارضا مشروع المد، وحسب الجزء الثالث من مذكرات أحمد شفيق باشا، رئيس ديوان الخديو: «اختتم الخديو عباس كلمته بالقول: لا يخفاكم أن هذه المسألة ليست من المسائل التى يقضى القانون النظامى بأخذ رأى الجمعية العمومية فيها، ولكن نظرا لأهميتها الاستثنائية بالنسبة إلى الجيل الحاضر والآتية قرر مجلس النظار ألا يبت فيها برأى قبل أن يعلم إن كانت الجمعية العمومية توافق على امتداد الامتياز، ونُظار (وزراء) حكومتنا مستعدون لإعطائكم البيانات التى ترونها لازمة فى هذه المسألة».
يضيف «شفيق»، أنه بعد انتهاء خطاب الخديو، هتف رئيس الجمعية الأمير حسين كامل، وباقى الأعضاء لسموّه، وانصرف إلى السراى، ثم حضر الأعضاء لشكره على الافتتاح، فقال لهم: المسألة المطروحة الآن من المسائل الدولية التى لم يسبق للجمعية النظر فى مثلها بمقتضى القانون النظامى، ولكنى آمل من الأعضاء ألا يكون هناك تأثير عليهم من الشائعات والأقاويل، وأن يجعلوا نصب أعينهم مصلحة البلاد وحدها، لأن الآراء التى سيبدونها فى هذه المسألة ستعرض على الرأى العام الأوروبى الذى يحكم حينئذ حكمه على الجمعية وعنوان كفاءتها وفهمها للأمور».
انفضت جلسة الجمعية العمومية يوم 9 فبراير، وانعقدت فى اليوم التالى 10 فبراير 1910، وكان محمد فريد زعيم الحزب الوطنى يواصل منذ فترة التعبئة ضد هذا المشروع، ووفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية»: «كتب فريد عدة مقالات عن أضرار المشروع، المالية والسياسية، أبرزها مقال مسألة قناة السويس - اعتبارات سياسية، المنشور بجريدة اللواء 30 يناير 1910».
اللافت فى هذا المقال أنه يرفع مطلب «تأميم القناة»، والذى تحقق بعد 46 عاما فى 26 يوليو 1956، كما يرد على الذين يقيمون الأمر من ناحيته المادية فقط، يقول: «من الغريب أن ما كتب ويكتب فى مسألة قناة السويس يدور حول النقطة المالية فقط، فيظهر المستشار المالى فوائدها، وما يعود على الخزينة من الأرباح، وتناقشه الجرائد فى أرقامه، وتجتهد فى إثبات عكس ما يقوله، ويسعى فى تأييده، ولم يلتفت أحد إلى المسألة من وجهة ضرورة حفظ مرافق الأمة بين يدى أبنائها، ولو كان وراء ذلك فقد منفعة، أو تقليل كسب أو خسارة مالية»، يضيف فى فقرة أخرى: «إن مصر لو كانت حرة، وأعمالها بيد نوابها، لفضلت استرداد الامتياز من الآن فى مقابل تعويض مالى يدفع للشركة مرة واحدة، أومقابل جزء من الأرباح يحسب على نسبة صافى إيراد الخمس السنوات أو العشر السنوات الأخيرة، ويدفع لها فى مدة السنة الباقية من الامتياز، كما فعلت الدول التى استردت امتياز سككها الحديدية، ولكن هذا الأمر يستحيل صدوره من مثل حكومتنا التى لا تراعى فى أمورها إلا ما يوحى به إليها المستشارون الإنجليز».
كانت تقف جريدة «الأهرام» تقف فى الضفة المضادة بترويجها لمشروع المد، وفقا لتأكيد شفيق باشا، الذى يقول: «بينما كانت الجمعية العمومية تناقش المشروع، كانت المظاهرات تطوف شوارع العاصمة تهتف ضد المشروع وضد الاستبداد، وضد جريدة «الأهرام» لأنها تروج للمشروع»، يضيف: «كانت صحف الحزب الوطنى - (اللواء) و(الجريدة) - تكتب لهجة حادة ضد مروجى المشروع، وتتهم بطرس باشا خاصة، والنظار عامة، بالخيانة والإجرام فى حق الوطن، وامتد اتهامها إلى الخديو نفسه، بعد إلقاء خطبته السابقة، وكان الجو مكهربا من جراء هذه الحملات، وتوالت المظاهرات الحماسية عدة أيام».
يذكر مصطفى الحفناوى فى الجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة»، أن الجمعية العمومية انتخبت فى جلسة 10 فبراير 1910 لجنة من خمسة عشر عضوا لدرس المسألة، برئاسة محمد سلميان باشا، وعضوية: «إسماعيل باشا أباظة، وحسن مدكور باشا، وإبراهيم مراد باشا، وأحمد يحيى باشا، وعلى شعراوى باشا، ومحمود بك عبدالغفار، وحسن بك بكرى، وفتح الله بك بركات، وعبداللطيف بك الصوفانى، وجاد بك مصطفى، وسعد مكرم، ودياب أفندى محمد سليم، وأمين بك العارف، وإسماعيل أفندى كريم»، واستقال أربعة بعد تشكيلها، هم: «محمد علوى باشا، وأحمد عفيفى باشا، ومرقص سميكة باشا، طلبة سعودى باشا»، يضيف «الحفناوى»: «تأجل نظر المشروع إلى أن تضع اللجنة تقريرها، ولولا أن حدثا رهيبا تدخل فى هذا الأمر لظفرت إنجلترا بما أرادت حيث صرع إبراهيم الوردانى، رئيس مجلس النظار بطرس باشا غالى، فدفن معه مشروع مد الامتياز».