كشفت الدكتورة ميادة عبد القادر، الباحثة بالمركز القومى لبحوث المياه، أن النيل بشكله الحالى يعتبر من أحدث أنهار القارة الإفريقية، مشيرة إلى أنه يجرى فوق صخور ترجع الى الزمن الأركى القديم "لم تكن به حياة"، بينما فى مجراه الأوسط والأدنى يجرى فوق صخور أحدث عهداً حتى ينتهى إلى البحر المتوسط فوق صخور حديثة التكوين، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن تاريخ النيل حديث.
وأضافت الباحثة، فى تصريحات خاصة لـ "انفراد" أن نهر النيل نشأ بالتدريج تبعاً لعمر الصخور التى يجرى عليها لذلك تكونت أعاليه أولاً ثم مجراه الأوسط ثم مجراه الأدنى تبعاً لتكوين الصخور الأحدث، مشيرة إلى أن الأبحاث أثبتت أن مستوى النيل كان يتمشى بوجه عام مع ذبذبات سطح البحر المتوسط نفسه، وأن هذا المستوى كان فى أواخر عصر "البليوسين" أعلى مما هو عليه اليوم بحوالى 150 متراً أو أكثر وأنه أخذ فى الهبوط تدريجياً، حتى كان مستواه فى أوائل العصر الحجرى القديم أقل من مستواه الحالى بنحو إثنى عشر متراً، ثم ارتفع فوق مستواه الحالى بحوالى ستة عشر متراً، وذلك فى نهاية العصر "المستيرى"، ثم عاد بعد ذلك الى الهبوط حتى إنخفض عن المستوى الحالى بنحو 43 متراً على الأقل، وهبط مستوى النهر بالقاهرة نحو 33 متراً عما هو عليه الآن، وتقدم الساحل الشمالى لمصر حوالى 11 كيلو متر.
وأضافت الباحثة: "يرى المؤرخون أن هذا الهبوط كان معاصراً للحضارة السبيلية، أى حضارة آخر العصر الحجرى القديم، مشيرة إلى أنه كان آخر هبوط لمستوى سطح البحر المتوسط، حيث أخذ مستوى سطح البحر المتوسط بعد ذلك فى الارتفاع تدريجيا، منذ ذلك الوقت الى وقتنا الحالى، بما فى ذلك العصور التاريخية نفسها والدليل على ذلك طغيان البحر على الآثار البطلمية فى مدينة الإسكندرية، ولقد كان لتذبذبات مستوى سطح البحر المتوسط الأثر الأكبر فى إختلاف مستوى نهر النيل واختلاف المصاطب والمدرجات التى تقع على جانبى وادى النيل فى جمهورية مصر العربية".
وأكدت الباحثة أن هناك العديد من الآراء التى ذكرت بأن هضبة الحبشة كانت أمطارها قليلة فى عصر البلايستوسين " ظهور الجليد الذي صاحبه ظهور الحصان الحالى و الفيل و الجمل و الإنسان"، فى الوقت التى كانت فيه مصر غزيرة الأمطار نسبياً، وأن النيل الأزرق لم تكن مياهه كافيه بحيث تكون نهراً عظيماً يصل الى الأراضى المصرية ثم الى البحر المتوسط، بل كان نهراً يشبه خور القاش "نهر موسمى ينبع من المرتفعات الأريترية"، ينتهى إلى الصحراء فيفقد حمولته من المياه والرواسب فى الصحارى المصرية خلال العصر المطير "مندل" كان الثلج متراكم على قمم جبال الهيملايا أكثر اتساعاً من اليوم فكان مناخ فصل الشتاء الحالى بما فيه الرياح الجافة التى تأتى من الشمال الشرقى، سائدة طوال العام تقريباً، ولم تهب رياح مطيرة على هضبة إثيوبيا، وبالتالى كانت مياه النيل الأزرق قليلة، وكذلك كانت تفقد بالتبخر قبل أن تصل الى القاهرة، ولم يكن النيل موجوداً فى شكله الحالى.
وأشارت الباحثة إلى أنه بعد عصر المندل المطير حدثت فترة جفاف طويلة حيث سادت الصحارى وخلال هذه الفترة ظهر للمرة الأولى نهر النيل كما نراه اليوم، وتكونت على جانبيه مدرجات وجدت بها بقايا العصر الشيلى وخلال هذه الفترة ارتفعت الأرض فحفر النيل مجراه بعمق أكثر من عمقه فى الوقت، ثم تلا هذا العصر الجاف عصر مطير آخر يعرف بالرسوقد ظهرت فيه مدرجات أخرى على جانبى النيل، بينما عصر "الفيرم" فلم يظهر فيه نظراً لأن المطر كان كافيا لقيام الحياة فى مصر لافتة إلى أن مجرى النيل لم يكن موجوداً قبل عصر المندل، وأن نظام النهر الحالى بفيضانه ورواسبه لم يظهر إلا فى نهاية العصر الجليدى أى منذ 12 ألف و500 سنة وقبل ذلك التاريخ لم تصل مياه النيل الأزرق إلى الأراضى المصرية، و أن مصر فى عصر البلايستوسين كانت كثيرة المطر وأوديتها التى تنبع من مرتفعات البحر الأحمر هى المسئولة عن تغذية نهر النيل بالمياه فى هذه الفترة.
وأكدت الباحثة أنه لم يعد هناك مجالاً للشك بأن وادى النيل من البحر شمالاً إلى إسنا جنوبا، وكان موجوداً فى أواخر البليوسين وكان الجزء الشمالى منه عبارة عن خليج مستطيل للبحر المتوسط، حيث أثبت ذلك العديد من الأبحاث والاستكشافات ، فقد وجدت بقايا عصر البليوسين على جانبى النيل فى الوادى الحالى.
وأكدت الباحثة أن أثنين من العلماء الألمان الذين كان لهما نصيبا ملحوظا فى التفكير فى تطوير نهر النيل وهما ماكس بلانكنهورن وتيودور أرلت، من أول الكتاب الجيولوجيين الذين درسوا جيولوجية جمهورية مصر العربية بصورة عامة وجيولوجية نهر النيل بصورة خاصة، وأثبتا أن نهر النيل حديث جداً لا يرجع إلى أبعد من العصر الجليدى الأوسط .
وأضافت الباحثة: "يرجع اكتشاف نهر النيل الليبى أو كما سماه بلانكنهورنو هذا النهر القديم هو جد النهر الحالى الى أواسط عصر الأيوسين وحيث كان يجرى فى صحراء ليبيا غرب مجرى النيل الحالى، و استدل بلانكنهورن على وجود هذا النهر عن طريق الرواسب النهرية الكثيرة ووجود بقايا حفريات تعيش فى الماء العذب بالإضافة إلى الأشجار المتحجرة الكبيرة، وهذه الشواهد دلت بلانكنهورن على أن هذا النهر كان يجرى إلى الشمال ويصب بالقرب من الطرف الغربى من بحيرة قارون فى البحر متوسط كان أكثر امتدادا من الآن واستمر هذا النهر يجرى على هذا الحال حتى عصر الأوليجوسين، ثم أستمر هذا النهر فى الميوسين حيث بلغ أكثر نموه، وكان مصبه فى ذلك الوقت قريباً من وادى النطرون وبعد الميوسين أخذ هذا النهر بتضاءل ويصغر حتى إختفى تماماً فى أواخر البليوسين".
و أكدت الباحثة، أن مياه البحر المتوسط فى عصر البليوسين طغت على الجزء الأدنى من نهر النيل فغطته فترة قصيرة، وفى أثناء ذلك ظهرت انكسارات مهدت لنهر النيل مجراه فى الأراضى المصرية.