هناك جديد فى العالم، كل لحظة، على المستوى السياسى والاقتصادى، والذى يرتبط بالتكنولوجيا وتأمين الطاقة، وخلال العقود الماضية يشهد العالم قفزات تقنية وعلمية تضاعف من حجم المجهود والمتابعة والتفاعل والاستعداد، وأصعب ما تواجهه الدول هو كيفية بناء علاقات منفتحة ومتوازنة، فى ظل استقطابات ومنافسة وصراع، والواقع يقول إن مصر نجحت - على مدار السنوات الأخيرة - فى بناء علاقاتها الخارجية بأقصى درجات التوازن، خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، يحرص على تأكيد أهمية دعم الدول الوطنية وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، والدخول فى المسارات السياسية، والتعاون والشراكة، بديلا عن الصراع، ومن هنا فإن الدولة أيضا تتحدث باسمها، وأيضا بالشراكة مع دوائرها، وتلعب مصر دور الجسر بين أفريقيا - كقارة واعدة تحتاج إلى الفرص - وبين أوروبا والعالم المتقدم، باعتباره صاحب مصالح تتطلب أن يلتفت إلى مصالح القارة.
داخليا، تسعى الدولة المصرية إلى توسيع قدراتها فيما يتعلق بالتكنولوجيا، من خلال التعاون لتوطينها، فضلا عن ارتياد كل المجالات الحديثة، وامتلاك القدرة على امتلاك الأدوات اللازمة للتنمية، مع قدرة على قراءة المستقبل، خاصة فى ظل تطورات متسارعة تجعل الحاضر العلمى من الماضى فى فترات قصيرة.
من هنا، يمكن النظر إلى مشاركة الرئيس فى الدورة السادسة للقمة الأفريقية / الأوروبية، التى تعقد تحت عنوان «أفريقيا وأوروبا.. قارتان برؤية مشتركة حتى 2030»، والتى تعقد فى العاصمة البلجيكية بروكسل، انطلاقا من تأكيد وتوسيع الشراكة بين أوروبا والاتحاد الأفريقى فى ملفات التنمية وصون السلم والأمن الدوليين، وفى الوقت ذاته، فإن الرئيس يحرص - ضمن برنامج الزيارة - على مناقشة الأطراف الاقتصادية، والشركات، فى التعاون ضمن ملفات كثيرة على رأسها ملف الطاقة، ويمثل تأمين الطاقة العنصر الأهم فى أى تنمية صناعية او زراعية، وفى الوقت ذاته، تهتم الدولة المصرية بتوسيع مجال العمل فى إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، من خلال حيازة التقنيات اللازمة، خاصة مع استراتيجية مصر لإحلال الطاقة النظيفة، وخفض التلوث مساهمة فى مواجهة التغير المناخى، وتحمل مصر رسالة قارة أفريقيا فى هذا الملف المعقد، باعتبار أن مساهمة الدول الصناعية فى مساعدة الدول النامية فى تحسين المناخ، هو حق للقارة، فضلا عن كونه نشاطا ضروريا لحماية الكرة الأرضية وتعويض الدول المتضررة من الأنشطة الصناعية للدول الكبرى.
ومن هنا كان تأكيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، على استراتيجية مصر الوطنية، لتعزيز الاستخدامات من الوقود البديل، والاتجاه إلى الطاقة الخضراء النظيفة، مع التركيز على إنتاج الهيدروجين الأخضر بالتعاون مع الشركاء الأجانب وفقا لرؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة، وجاء ذلك خلال استقبال الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأربعاء، الرؤساء التنفيذيين لعدد من الشركات البلجيكية، حيث أعرب الرئيس عن التطلع لدخول الشركات البلجيكية العاملة فى ذلك المجال إلى السوق المصرية كشريك دولى عريق وموثوق، لتعظيم الفوائد على الدولة من خلال تنويع مصادر الطاقة ونقل المعرفة وتدريب الكوادر وتشجيع الصناعة المحلية.
والهيدروجين الأخضر هو وقود عالمى وخفيف وعالى التفاعل، ويستخرج من خلال التحليل الكهربائى، لفصل الهيدروجين عن الأكسجين فى الماء، وينتج طاقة دون انبعاث ثانى أكسيد الكربون، والهيدروجين هو العنصر الأكثر وفرة فى الكون، ولكن على الأرض لا يبدو نقيا، ويتطلب طاقة للفصل، وإطلاق الهيدروجين من المواد العضوية مثل البترول او الفحم يعتبر ملوثا، وبالتالى ما زال إنتاج الهيدروجين الأخضر مكلفا حاليا، وهناك استثمارات لإنتاجه بشكل صناعى، مع حل مشكلات النقل والتخزين، والعديد من شركات النفط الكبرى تتنافس على تطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر، باعتباره ليس فقط أقل تلوثا، لكن أيضا مع توقعات بنضوب البترول والمصادر الطبيعية للطاقة مع مرور الزمن.
ومن هنا يأتى اهتمام مصر بالاستثمار فى إنتاج الهيدروجين الأخضر، ضمن خطتها للمستقبل، فى خفض الانبعاثات، والتوسع فى الطاقة المتجددة والنظيفة، باعتبارها مستقبل هذا المجال، وتقديم العديد من الحوافز الاستثمارية لزيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو ما أكده تحالف الشركات البلجيكية فى لقائها مع الرئيس، مع تفهمها لالتزام الدولة المصرية بالأهداف العالمية لحماية البيئة ومكافحة الاحتباس الحرارى، والذى تمثل فى استضافة وتنظيم القمة السابعة والعشرين لتغير المناخ، والتى تتحدث فيها باسم مصر وأفريقيا، وحق القارة فى مواجهة التغيرات المناخية، الناتجة عن الأنشطة الصناعية.