بعد شهور من الخداع، تم القبض على أحد مدعى العلاج بالأعشاب، والذى روج لنفسه على شبكة الإنترنت وبعض الفضائيات، على أنه يعالج بـ«الكركمين»، والأعشاب، واستمر لسنوات يقدم دعاية لنفسه، ويوهم المرضى أنه قادر على علاجهم من الأمراض الخطيرة والمستعصية، بل إنه تسبب فى تردى حالات مرضى ووفاة آخرين، بعد أن طالبهم بالتوقف عن تلقى علاج السكر والضغط والعظام، والاكتفاء بالوصفات التى يقدمها لهم وهى وصفات لا علاقة لها بالطب ولا بالعلم. واللافت للنظر أن المدعى اشتهر بوصفاته غالية الثمن، واستمر يتلقى المرضى ويوهمهم بالعلاج، رغم تحذيرات أطباء ومتخصصين اتهموه بالنصب والإضرار بالمرضى، واتضح أنه ليس طبيبًا، بل إن نقابة الأطباء قالت إنه قام على مدار سنوات عديدة بتقديم النصائح والمعلومات الطبية والترويج لبيع وصفات علاجية للمواطنين عبر الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى، مدعيًا أن تلك الوصفات ومنها ما أطلق عليه «الكركمين»، مرخصة من وزارة الصحة، على خلاف الحقيقة، ما تسبب فى الإضرار بصحة المواطنين وكان مدعاة لتساؤلات وشكاوى نقابة الأطباء والمهتمين بالشأن الصحى.
حالة المدعى المذكور ليست فردية، وإنما جزء من ظاهرة وجود مدعين يكثفون ظهورهم فى بعض قنوات «بير السلم» ومواقع التواصل على أنهم أطباء أو معالجون، وهم مجرد دجالين ونصابين يعلنون عن مؤهلات أو تخصصات مزيفة أو وهمية، لدرجة أن كل من هب ودب أصبح يمكنه تعليق لافتات تزدحم بـ«الدكتوراهات والزمالات والشهادات الدولية» فى تخصصات نادرة، مستغلين أدوات التواصل وقنوات يوتيوب وبعضهم لم يحصل على أى شهادات، وينصبون شباكهم فى العالم الافتراضى وهناك بعض السذج يصدقون هذا ويقعون ضحايا، وهؤلاء المزيفون يزاحمون الأطباء الحقيقيين، الذين حذر بعضهم المرضى من الإنصات لهم، لكن بعض المرضى يقعون ضحايا، تحت ضغط الإلحاح، أو التصديق، ولا ينتبهون إلى التحذيرات، ويدفعون للنصابين ثمن ما يضرهم.
هناك عشرات البوستات والتقارير تروج على مواقع التواصل لأدوية وعلاجات ومراكز وهمية، وقنوات الخزعبلات غير المرخصة وبعضها يبث من الخارج، هذه القنوات والمواقع تسوق للخبراء المزعومين ممن يروجون لعلاج وهمى، ويشتهر المزيفون على مواقع التواصل ويبيعون منتجات يزعمون أنها تعالج الأمراض المناعية المستعصية كالبهاق أو الصدفية أو حتى السرطان، فضلًا عن منشطات ومكملات ومقويات أو أدوية وعقاقير للتخسيس والتسمين والصلع والحواجب تباع فقط «أون لاين»، مع خدمة التوصيل ولا يمكن مقاضاة من يروجونها، لأنهم افتراضيون يصعب العثور على عناوينهم أو أماكنهم. يروجون أعشاب، أو منشطات وعلاج الأظافر والتجميل، وعندما يتعاطاها المرضى يكتشفون أنها كيماويات ضارة أو مجرد سوائل وكبسولات ملونة ومجرد عبوات بلا فاعلية.
ومرات كثيرة نقلنا تحذيرات الأطباء من أن المدعين والجهلاء، الذين يقتلون المرضى بوصفات وعلاجات وهمية، استنادا إلى الدعاية المكثفة فى قنوات «بير السلم» ومواقع التواصل، التى تمنح النصابين مكانة أكبر مما يحتله المختصون، ويتسببون فى قتل المرضى، وكثير من الأطباء يحذرون من الأطباء المزيفين، وهذا جزء من ظاهرة تحويل الطب إلى سلعة مثل المنظفات أو الموبايل، وربما تكون هذه فرصة لتطبيق القانون على قضية الإعلان عن الطب والأدوية.
وإذا كان ترويج سلع فاسدة أو فاقدة للمواصفات على مواقع التواصل أو القنوات غير المرخصة والخارجية نوعا من الخداع فى سلعة أكل أو ملابس أو أدوات، فإن المشكلة فى الطب أن المستهلك قد يدفع صحته أو حياته ثمنا لهذه التجارة المحرمة، وإذا كانت نقابة الأطباء دعمت شكاوى الوسط الطبى والمواطنين من مدعى «الكركمين»، فربما يكون هناك حاجة لتوسيع الرقابة من كل الجهات المنوط بها مراقبة العالم الافتراضى، لمواجهة الخداع فى الطب، ووقف عمليات الترويج الإعلانى، لمنتجات أو عمليات يفترض ألا تتحول إلى سلعة قاتلة، كما يجب مطاردة كل القنوات والمواقع التى تبيع الوهم للمرضى والمواطنين.