كانت الساعة الثانية وعشر دقائق ظهرا بتوقيت القاهرة، 21 فبراير، مثل هذا اليوم، 1973، حين هوت الطائرة الليبية «بوينج 727» على رمال سيناء، وعلى متنها 106 ركاب بعد إطلاق طائرات إسرائيلية حربية صاروخا عليها، وبينما كانت الطائرة تتحول إلى حطام، كانت جثث الضحايا من ركابها تتناثر حولها، حسبما جاء فى تغطية «الأهرام» للحدث يوم 22 فبراير 1973.
كانت الطائرة فى طريقها من بنغازى إلى القاهرة، وعلى متنها 106 ركاب، بينهم «سلوى حجازى» المذيعة الشهيرة بالتليفزيون المصرى، ومعها المخرج عواد مصطفى، وكان مخرجا للبرامج التى تقدمها مثل «تحت الشمس» و«الفن والحياة» و«المجلة الفنية»، ووقعت الجريمة على أثر قيام طائرتين «اف 4 فانتوم» من سلاح الجو الإسرائيلى بالاعتداء عليها، بعد دخول الطائرة إلى الأجواء المصرية، ثم تعرضها لعاصفة رملية أجبرت الطاقم على الاعتماد كليا على الطيار الآلى والانحراف إلى سيناء التى كانت محتلة وقتئذ منذ نكسة 5 يونيو 1967، فأسقطتها إسرائيل مخالفة كل قواعد الطيران الدولية.
حاولت إسرائيل تحميل قائد الطائرة الفرنسى الجنسية المسؤولية، لكن الأهرام ذكرت فى عددها يوم 23 فبراير 1973، أن التسجيل الصوتى بين قائد الطائرة وبين برج المراقبة فى مطار القاهرة، وأذيع نصه أمام 200 صحفى يمثلون صحف العالم فى القاهرة، كشف كذب رواية إسرائيل التى تركز على مسؤولية قائد الطائرة على اعتبار أنه تجاهل الإنذارات التى وجهت إليه، حيث لم يتضمن التسجيل ومدته 9 دقائق أى إشارة لقائد الطائرة بأنه تلقى أى إنذار من المقاتلات التى أبلغ أنها أحاطت به فى الجو، بل إنه كان يعتقد أنها طائرات ميج، بما يعنى أنها مقاتلات مصرية، وأضافت «الأهرام» أن وكالات الأنباء العالمية نقلت أقوال مضيف الطائرة الفرنسى وهو أحد الناجين، وأكد فيها أن المقاتلات الإسرائيلية حاصرت الطائرة وأطلقت صاروخين دون أى إنذار، فانفجرت الطائرة فجأة وسقطت، وذكرت «الأهرام» أن عدد الجثث التى تم انتشالها بلغ 99 جثة، وأن الناجين بينهم اثنان فى حالة خطرة، وخمسة آخرون فى حالة مرضية بينهم مصرى واحد اسمه فيصل محمد الشريعى، قالت «الأهرام» يوم 24 فبراير، إن العدد ارتفع إلى مائة، وأمكن التعرف على أصحاب 43 جثة من بينهم 17 طفلا و14 سيدة، و12 رجلا أما باقى الضحايا فلم يتم التعرف عليهم».
ارتبطت هذه الجريمة إعلاميًا باسم «سلوى حجازى» بوصفها المذيعة المشهورة بالتليفزيون المصرى منذ 12 عاما، والشاعرة التى تكتب شعرا باللغة الفرنسية، وترجم بعضه ثلاثة من كبار الشعراء هم صالح جودت، وأحمد رامى، وكامل الشناوى، وفقا للأهرام 24 فبراير، غير أن الطائرة كانت تقل أيضا راكبا من نوع خاص هو «صالح مسعود بويصير»، وفقا للكاتب الصحفى محمد عبدالهادى علام رئيس تحرير الأهرام الأسبق فى كتابه «قصة اغتيال بويصير والكيخيا فى مصر..من ميونيخ إلى سيناء.. ومن القاهرة المجهول؟».
كان «بويصير» ابن الـ48 عاما وقت الجريمة، أول وزير خارجية لليبيا فى حكم العقيد معمر القذافى، واستمر إلى 16 أكتوبر 1970، وفى 16 أغسطس 1971 عين وزيرا للإعلام، ثم تركه فى عام 1972 ورشح نفسه وانتخب فى الجمعية الوطنية لاتحاد الجمهوريات العربية، ووفقًا لعلام، فإنه كان أحد رموز التيار القومى فى المنطقة العربية، ومناضلًا فى صفوف الكفاح الفلسطينى المسلح، والمرتبط بصداقات قوية مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية، والحائز على رسالة الماجستير بعنوان «جهاد الشعب الفلسطينى»، وكان ينتظر مناقشة رسالته للدكتوراه بعنوان «جهاد الشعب الليبى».. يؤكد «علام» أن تقدير وحب القيادات الفلسطينية له تجسد فى طلب الفدائيين الفلسطينيين له بإبرام صفقة إطلاق سراح 11 رياضيا إسرائيليا شاركوا فى دورة الألعاب الأولمبية فى ميونيخ 1972، احتجزهم الفدائيون رهائن مقابل إطلاق سراح 200 أسير فلسطينى، وفشلت الصفقة لقتل الرهائن وتفجير الطائرة فى كمين ألمانى إسرائيلى.
عن دراما مواجهة «بويصير» لحظات نهايات «الطائرة، يذكر «علام»: «ازداد الهلع وعلا الصراخ فى مقصورة القيادة عندما استدارت إحدى الطائرات الحربية الإسرائيلية لتطلق الرصاص على مقعد الطائرة الليبية، فى هذه اللحظة ووسط حالة الذعر التى سيطرت على الركاب تقدم «بويصير» إلى مقصورة القيادة، وقال: «إنهم إسرائيليون»، وعاد للركاب يخطب فيهم: «نتعرض الآن لعدوان صهيونى، إن عشنا فنحن سعداء، وإن متنا فشهداء»، وتلا آيات من القرآن الكريم داعيا الركاب إلى قراءة ما تيسر لهم منه والاستعداد للشهادة»، ثم سقطت الطائرة.