قضية المياه هى قضية الساعة، الدولة بكل أجهزتها تعمل فى السياقات السياسية وتتعامل مع مستجدات الموضوع بكفاءة، الخبراء هم الأقدر على تقديم المعلومات بشكل يجعل الرأى العام على اطلاع بقضية المياه بوصفها تهم الجميع.
وخلال الأيام الأخيرة، أعلنت إثيوبيا عن تشغيل أحد توربينات السد الإثيوبى لإنتاج الكهرباء استمرارا لتصرفات أحادية، وتقدمت مصر لمجلس الأمن لتأكيد مواقفها واعتبار التصرف الإثيوبى مخالفا للقوانين الدولية واتفاق المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا. مصر منذ اللحظة الأولى أعلنت أنها ليست ضد التنمية فى إثيوبيا، لكنها مع اتفاق ملزم لعملية ملء وتشغيل السد، والهدف هو التعاون وتبادل المعلومات والخبرات وتلافى أى أخطار يمكن أن تؤدى إلى ضرر بدولتى المصب.
والواقع أن الدولة لم تتوقف عن اتخاذ كل الخطوات والتعامل مع السيناريوهات المختلفة، خاصة أن السياسة المصرية المائية لا تتعلق بنصيبها من نهر النيل، لكن بالتعامل مع احتياجات متزايدة تفرض تعاملا مختلفا للوفاء باحتياجات المصريين من مياه الشرب والرى، بالإضافة إلى تأثير التغيرات المناخية التى تغير من حركة الأمطار والسيول.
كان هذا أحد محاور الجلسة الحوارية التى نظمها المجلس الأعلى للإعلام، برئاسة الكاتب الصحفى كرم جبر، مع الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الرى والموارد المائية، بحضور كبار الكتاب الصحفيين والإعلاميين ومشاركة مساعدى الوزير من خبراء الرى الدكتور محمد عمر معاون الوزير للمشروعات، والدكتور هشام العسكرى وعدد من معاونى ومعاونات الوزير من خبراء الرى. وشهدت الجلسة استعراض الموقف المائى والتعرف على الموقف التنفيذى للمشروعات والإجراءات والسياسات التى تتخذها وتنتهجها وزارة الرى، لمواجهة التحديات المائية الحالية وتنمية الموارد المتاحة وحسن استغلالها.
وأكد وزير الموارد المائية والرى، أهمية وجود المعلومات الصحيحة، وما يخص السد الإثيوبى وتشغيل التوربينات، والتوصل لاتفاق على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، لافتًا إلى أن هناك تحركات سياسية وقانونية من الدولة المصرية لمواجهة أية مخاطر محتملة بشأن سد النهضة.
وشدد الدكتور محمد عبدالعاطى، على أنه يتم بذل مجهودات للحفاظ على الموارد المائية وتحقيق الاستفادة المثلى منها والحفاظ عليها من كل أشكال الهدر والتلوث، موضحًا أن التجربة المصرية الناجحة أصبحت نموذجًا يحتذى فى مواجهة التحديات المائية وإعادة التدوير.
اللقاء أتاح بعض المعلومات المتعلقة بالنيل وموارده وطريقة إدارته، والطرق الحديثة بها فى الرى والزراعة، بشكل يضاعف الإنتاج ويقلل الإنفاق، مع التأكيد على أن مصر لن تتنازل عن حقوقها التاريخية فى مياه النيل، ومع حق الشعب الإثيوبى فى التنمية، دون المساس بحقوق مصر والسودان فى مياه النيل.
الدكتور محمد عبدالعاطى، أكد أن نصيب مصر فى مياه النيل ليس محل نقاش، لكن الدولة تسابق الزمن للاستعداد لأى تغيرات مناخية، مشيرًا إلى أن مصر تقوم حاليًا بعدد كبير من المشروعات وبكفاءة هندسية عالية لاستغلال كل فرصة ممكنة لإعادة استخدام المياه، وذلك تحسبًا أيضًا للزيادة السكانية فى المستقبل، حيث تعاد معالجة مليون متر مكعب فى اليوم فى محطة المحسنة، ومن محطة بحر البقر 5.6 مليون متر مكعب يوميا، حيث يعاد استعمال المياه 5 مرات، ضمن استراتيجية للتعامل مع المشكلات والأزمات مما يبلور قدرة الدولة على التعاطى مع أى مشكلات أو تأثيرات مناخية مستقبلا.
وتركز الحديث حول قضية إدارة المياه ومنها مياه النيل، خلال السنوات الأخيرة ومحطات لتنقية مياه الصرف الزراعى والصحى، ومحطات تحلية، وهى مشروعات تقوم بها الدولة مع التأكيد على ضمان حصة مصر من نهر النيل، والسبب أن مصر مع التوسع فى التنمية والزيادة السكانية، تحتاج إلى ضعف المياه التى ترد من نهر النيل، الحصة ثابتة 55 مليار متر منذ كان تعداد السكان 30 مليونا، تضاعف السكان أكثر من ثلاث مرات، وبالتالى فإن التحرك فى ترشيد وتحلية وإعادة تدوير المياه لا يرتبط بسد النهضة، وإنما بالاحتياجات، وموازنة المياه مثل موازنة الدولة تقوم على توازن الدخل مع الإنفاق.
وتحدث وزير الرى عن تطبيق منظومة الرى الذكى، وأن هناك حساسات يتم وضعها داخل التربة فى الأراضى الزراعية لقياس مستوى الرطوبة والنيتروجين، مشيرًا إلى أن الإنتاجية زادت بنسبة 30% بتوظيف التقنيات الحديثة، وأن هناك 1.2مليون فدان تحولت لنظام الرى الحديث بعد التأكد من تحسن نوعية الإنتاج وجودته. وعرض أحد المزارعين - تجربته فى التعامل بمنظومة الرى الحديثة، مؤكدًا أنه يتم استخدام حساسات داخل التربة تقيس مستوى الرطوبة وحاجة الأراضى للرى والسماد من خلال تطبيق ذكى رفع إنتاجية الفدان الواحد 6 أطنان من محصول البطاطس، من 17 إلى 24 طنًا.
وركز خبراء الرى على التفاصيل الفنية وآخر مواقف العمل فى السد الإثيوبى، وأكدوا أن الموقف السياسى لمصر واضح، وحق مصر مؤكد، لكن الجلسة التى عقدت فى وزارة الرى تجدد التذكير بسياسة مائية تتعامل مع كل المستجدات وأخطرها التغير المناخى والزيادة السكانية.
الجلسة فرصة لاستعراض موقف العمل فى السد الإثيوبى، وما يمكن أن تمثله عيوب أو مشكلات تتعلق بأمان السد، وهى تفاصيل موجودة فى تقارير فنية عالمية، تتطلب الالتفات للتعامل مع سيناريوهات مستقبلية.