الحرب ليست نزهة لأى من أطرافها، ثم إن بدء أى حرب قد يكون اختيارا، لكن انتهاءها، ليس فى يد أى طرف، وهو أمر ينطبق على الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتى هى ليست حربا بين طرفين لكنه صراع قديم، وله أطراف متعددة، وهو ضمن إعادة ترتيب نظام عالمى استمر فى التشكل على مدى ثلاثة عقود، وكل القوى الكبرى طرف فيه، ثم إن تأثيرات الحرب تنعكس على كل دول العالم فى وقت لم يتعاف من آثار جائحة كورونا.
وبصرف النظر عن مَنْ المسؤول، فإن طول هذا الصراع يضاعف من التأثيرات السياسية والاقتصادية، ويزيد من احتمالات اتساع نطاق الحرب، بشكل لا يريده أى من أطرافها، العالم أمام أكبر مواجهة بين روسيا والغرب بعد انتهاء الحرب الباردة، روسيا اليوم ليست هى فى منتصف التسعينيات، والصين قوة اقتصادية، وأوروبا والولايات المتحدة مصالحها متشابكة لكنها تختلف فى علاقاتها ومصالحها عما كانت عليه قبل ثلاثة عقود، وحتى التصريحات السابقة للحرب غيرها اليوم، هناك حديث عن أهمية الجلوس على طاولة المفاوضات، وحتى العقوبات الاقتصادية رغم أنها تمثل ضغطا على روسيا، فهى أيضًا تؤثر على علاقات اقتصادية بين أوروبا وروسيا.
الطرف الروسى بالطبع ومع تأكيده التمسك بأمنه القومى، لا يريد استمرار الحرب إلى ما لا نهاية، لأن هذا يمثل عبئا إضافيا على آلة عسكرية كبيرة، ونوع من الاستنزاف، خاصة مع تدفق الدعم العسكرى الغربى إلى أوكرانيا، التى أعلنت استمرار المقاومة للقوات الروسية، فى وقت لا يمكن التعرف بشكل حاسم على حجم خسائر كل طرف، مع الأخذ فى الاعتبار أن طول أمد المواجهة يمثل استنزافا لأطرافه، وأى حرب تطول تمثل فخا يستنزف القوى، ويبتلع أى أرصدة، ولا يمكن تجاهل التعاطف الدولى مع ضحايا الحرب المدنيين، فى وقت ما يزال ضحايا الصراعات خلال العقد الماضى يمثلون أزمة لأوروبا، والتى لا تريد المزيد.
كل الأطراف الدولية تتحاشى أى تصرف يمكن أن يضاعف من أخطار اندلاع حرب عالمية، والحديث عن التفاوض قائم ومطروح، خاصة بعد فشل مجلس الأمن فى إصدار قرار ضد روسيا، وهو أمر متوقع مع امتلاك الفيتو، مع الدول الخمس، وسبق للولايات المتحدة أن استخدمت الفيتو لإفشال قرارات دولية.
طرح الجانب الروسى التفاوض فى بيلا روسيا، وأعلنت أوكرانيا موافقتها بعد أن تجاهلت العرض، فى خطوة ربما تمثل بداية لإنهاء الحرب، والذهاب إلى حل سياسى، لكن المفاوضات لن تكون سهلة، باعتبار أن الأمر على مائدة التفاوض لن يكون هو نفسه قبل الاشتباك. روسيا تريد إنهاء أى تفكير فى انضمام أوكرانيا لحلف الأطلنطى، ورغم أن الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى اعتبر الموقف الأوروبى بطيئا، وأنه وجد نفسه فى المواجهة وحده، فإنه فى حال تراجع سوف يجد نفسه فى مأزق أمام شعبه، باعتباره دخل فى مواجهة خاسرة من دون نتائج، رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية سبق وقال «إن الهدف استعادة السلام فى أوكرانيا ومنع صراع أوسع فى أوروبا».
لكن التصريحات بالطبع تختلف عن الواقع، الذى تتطور إليه مواجهة تشير إلى جولة أخرى من حرب باردة، تعيد ترتيب الخرائط فى العالم، بعد ثلاثة عقود فقط لم تتوقف فيها المنافسات والصراع، خاصة مع امتلاك كل الأطراف لأسلحة ردع نووية، تمثل ماردا لا أحد يريد إيقاظه، باعتباره أخطر الخيارات، فهل ترسو كرة التفاوض لتمنع حربا لا أحد يريدها؟