على مدار السنوات الماضية ومع الطفرة التكنولوجية التى شهدها العالم أجمع، كان من الواضح للغاية أن الحروب والصراعات لم تعد كما كانت، فهل تتخيل شكل الحروب فى عصر التقدم التكنولوجى؟ عصر التقدم الضخم الذى نعيشه، ذلك التقدم الذى يشكل مفاهيم الأسلحة والمعدات وحتى الاستراتيجيات المعتمدة فى الحروب، ما الذى تغير وكيف يكون شكل الحرب التكنولوجية؟.. ربما يظن البعض أن الأمر سيعتمد فقط على الكمبيوتر بديلا للإنسان مثل الطائرات دون طيار «الدرون» أو الدبابات ذاتية التحكم، وغيرها من الأسلحة المختلفة التى يمكن التحكم فيها عبر الكمبيوتر عن بعد، لكن حقيقة الأمر أننا أمام جيل جديد من الحروب أدواته قادرة على تحقيق خسائر فادحة دون إراقة نقطة دم واحدة أو خسارة جندى واحد، بطلها تقنيات ومفاهيم جديدة عن تلك التى عرفناها طوال السنوات الماضية، أبطالها هى شبكات السوشيال ميديا والعملات الرقمية والمحافظ الإلكترونية و«الهاكرز»، ولعل ما يحدث الآن بين روسيا وأوكرانيا لدليل على ذلك.. وترصد «انفراد» أبرز ملامح هذه الآليات الجديدة فى الحروب فى هذا الملف.
نظام SWIFT
أعلنت مجموعة من دول تحالف شمال الأطلسى - بما فى ذلك الولايات المتحدة - فى رسالة مشتركة عن التزامها بإجراءات جديدة تهدف إلى فصل روسيا عن النظام المالى العالمى، وتحدد الرسالة، الموقعة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا والحلفاء الأوروبيين، تدابير جديدة لعزل البنك المركزى الروسى، وتعلن عن فريق عمل جديد عبر المحيط الأطلسى لتجميد الأصول الأجنبية للأفراد الخاضعين للعقوبات، وفى تصعيد كبير، يمنع الأمر أيضا بعض البنوك الروسية من استخدام SWIFT - نظام الدفع الدولى الذى تستخدمه البنوك لإرسال الأموال فى جميع أنحاء العالم، حيث يرمز SWIFT لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهى منظمة تعاونية مقرها بلجيكا، ويشمل مالكيها العديد من أكبر البنوك فى أوروبا، ولا تقوم شبكة المدفوعات التى تحمل اسم المنظمة بتبادل الأموال ولكنها تستخدم لمصادقة تعليمات الدفع بين البنوك، وتستخدم خدماتها لمعالجة نحو 42 مليون عملية تبادل فى أكثر من 200 دولة كل يوم، ومن الصعب التنبؤ بالتأثيرات التى قد يحدثها الطرد من نظام SWIFT فى الوضع السياسى والعسكرى فى أوكرانيا، ولكن هذه الخطوة قد تكون مؤلمة للبنوك والأسواق الروسية، التى استهدفت بالعقوبات المالية المختلفة، فيما وصف مقال من مركز أبحاث مركز كارنيجى فى موسكو فى عام 2021 الطرد من نظام SWIFT، بأنه خيار نووى من شأنه أن يضرب روسيا بشدة بشكل خاص.
خدمات الدفع الإلكترونى والعملات الرقمية
أصبحت خدمات الدفع الإلكترونى والمحافظ الرقمية التى توفرها العديد من شركات التكنولوجيا من الأدوات التى يعتمد عليها كثير من المستخدمين حول العالم، فبعد العقوبات الغربية على المؤسسات المالية الروسية ردا على غزو أوكرانيا، لم يعد بإمكان عملاء العديد من البنوك الكبرى فى البلاد استخدام بطاقات الخصم والائتمان الخاصة بهم بالتزامن مع Apple Pay وGoogle Pay، ومن بين المنظمات المتأثرة VTB Group وSovcombank وNovikombank وromsvyazbank وOtkritie FC Bank، وفقا لبيان صحفى صادر عن البنك المركزى الروسى، رُصد من قبل أعمال من الداخل، والذى نقله تقرير engadgeg، وبرز مؤخرا دور العملات الرقمية كعنصر فعال فى أوقات الحروب، ففى الوقت الذى كشفت فيه تقارير إعلامية عن اعتماد روسيا على العملات الرقمية لإنقاذ اقتصادها، لجأ الأوكرانيون إلى العملات الرقمية كملاذ آمن بحسب صحيفة «دياريو» الإسبانية، وفى الوقت نفسه تزداد تبرعات البيتكوين لدعم الجيش الأوكرانى، ويرتفع استخدام العملات الرقمية مثل البيتكوين فى أوكرانيا مع تكثيف روسيا هجومها العسكرى على أوكرانيا. ونشر الحساب الرسمى لأوكرانيا عبر منصة تويتر دعوة للتبرعات من خلال العملات المشفرة، بما فى ذلك بيتكوين وإيثيريوم والعملة المشفرة المستقرة المربوطة بالدولار Tether، وأكد نائب رئيس وزراء أوكرانيا، ميخايلو فيدوروف، عبر حسابه على تويتر، أن الدعوة للتبرعات كانت حقيقية، وطلب من الناس الوقوف مع أوكرانيا، واعتبارا من النشر، جمعت الحكومة الأوكرانية والمنظمات غير الحكومية التى تقدم الدعم للجيش 13.7 مليون دولار من خلال آلاف التبرعات بالعملات المشفرة منذ بداية الغزو، فيما كشفت تقارير إعلامية عن أن الاعتماد المتزايد للعملات المشفرة يساعد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، على التهرب من الموجة الأولى من العقوبات المالية من الغرب، حيث قد تقنن الدولة العملات المشفرة من أجل الحفاظ على جميع العقوبات وتجنبها تقريبا أثناء غزوها لأوكرانيا، وذلك بحسب موقع gadgets now الهندى، ووفقا لروس إس. ديلستون، خبير فى مكافحة غسل الأموال، بحسب ما نقله التقرير «إذا قرر الروس تجنب استخدام أى عملة أخرى غير العملة المشفرة، فيمكنهم فعليا تجنب جميع العقوبات تقريبا»، فيما قفزت عملة البيتكوين إلى 39 ألف دولار فى ارتفاع سريع بعد عقوبات بايدن بعد أن انخفضت إلى ما دون 35 ألف دولار عندما أعلن بوتين الحرب على أوكرانيا. ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، تقوم روسيا بإضفاء الشرعية على العملة المشفرة للالتفاف على العقوبات الأمريكية، وإلا فلن تتحمل البلاد ضغوط العقوبات المتزايدة من الدول الغربية.
السوشيال ميديا
من الواضح أن منصات التواصل الاجتماعى أضحى لها دور وبصمة كبيرة على العالم، وعلى ما يحدث به، سواء اتخذت موقفا مؤيدا أو معارضا، وفيما يلى أبرز الإجراءات التى اتخذتها منصات التواصل الاجتماعى المختلفة فى الأزمة الروسية الأوكرانية:
فيس بوك
أعلنت شركة «ميتا» - الشركة الأم لـ«فيس بوك» - إنشاء مركز عمليات خاص يعمل به خبراء، بما فى ذلك متحدثون أصليون بالروسية والأوكرانية، بعد الهجوم الروسى على أوكرانيا، ما يسمح بالاستجابة للمشكلات فى الوقت الفعلى، وأشارت «ميتا» - فى بيان - إلى إضافة العديد من ميزات الأمان فى أوكرانيا، بما فى ذلك قدرة الأشخاص على غلق ملفاتهم الشخصية على «فيس بوك»، وإزالة القدرة على عرض قوائم الأصدقاء والبحث فيها، وأدوات إضافية على «ماسنجر»، كما قام «فيس بوك» باتخاذ خطوات مكثفة لمكافحة انتشار المعلومات المضللة، من خلال توسيع قدرة الطرف الثالث على التحقق من الحقائق باللغتين الروسية والأوكرانية، إضافة إلى حظر الإعلانات من وسائل الإعلام الحكومية الروسية، أيضا حظر «فيس بوك» وسائل الإعلام الروسية التى تديرها الدولة من الإعلان عن المحتوى واستثماره عبر المنصة وسط الصراع المستمر فى أوكرانيا، حيث أعلن ناثانيال غليشر، رئيس السياسة الأمنية فى «فيس بوك» عبر «تويتر»: نحن نحظر الآن وسائل الإعلام الحكومية الروسية من عرض الإعلانات أو تحقيق الدخل عبر منصتنا فى أى مكان فى العالم، لقد بدأ تطبيق هذه التغييرات وتستمر حتى نهاية الأسبوع.
تويتر
نشرت شركة تويتر، الأربعاء الماضى، نصائح عن كيفية تأمين المستخدمين لحساباتهم من القرصنة والتأكد من خصوصية تغريداتهم ووقف تنشيط حساباتهم، ونشرت الشركة تغريدات بشأن إرشادات السلامة باللغات الإنجليزية والروسية والأوكرانية، كما شارك تويتر معلومات عن كيفية قيام المستخدمين بوقف تنشيط حساباتهم، فيما فرض «تويتر» تعليقا مؤقتا على الإعلانات فى أوكرانيا وروسيا لضمان وضوح معلومات السلامة العامة، وقالت فى تغريدة: نحن نوقف الإعلانات مؤقتا فى أوكرانيا وروسيا لضمان رفع مستوى معلومات السلامة العامة المهمة وعدم الانتقاص منها، وتقول الشبكة الاجتماعية أيضا إنها تراجع بشكل استباقى التغريدات لاكتشاف التلاعب بالمنصة وتتخذ إجراءات ضدها، ويراقب تويتر حسابات الصحفيين والمسؤولين الحكوميين والنشطاء وحسابات أخرى رفيعة المستوى لمنع الاستيلاء أو التلاعب المستهدف أيضا، وقالت المتحدثة باسم تويتر فى بيان: نواصل مراقبة الصراع المستمر فى أوكرانيا، ويظل تركيزنا على حماية سلامة المحادثة على تويتر، كجزء من هذا العمل، أوقفنا مؤقتا الإعلانات فى أوكرانيا وروسيا لمواصلة التركيز على الأشخاص الذين يتلقون معلومات مهمة.. نظل يقظين ونواصل مراقبة الوضع عن كثب.
يوتيوب
منع YouTube مؤقتا قناة روسيا اليوم «RT» وعددا قليلا من القنوات الروسية الأخرى من تحقيق أرباح من الإعلانات، وقالت الشركة لرويترز، مستشهدة «بظروف استثنائية» والعقوبات الأخيرة ضد البلاد، إنها توقف قدرة عدة قنوات على تسييل محتواها على المنصة، بالإضافة إلى ذلك قال YouTube إن مقاطع الفيديو من منشئى المحتوى هؤلاء ستظهر بشكل أقل تواترا فى توصيات المستخدمين، وأن RT وعددا قليلا من القنوات الأخرى لم تعد متاحة فى أوكرانيا بناء على طلب من حكومة الدولة، ولم يزود موقع يوتيوب وكالة رويترز بقائمة كاملة بالقنوات المحظورة.. لقد تواصلنا مع الشركة للتعليق ومزيد من المعلومات.
الهاكرز
الأمر أصبح مختلفا الآن، حيث بات جنود هذا الجيل الجديد من الحروب يمكن أن يكونوا مجموعة من الهاكرز مزودين فقط بجهاز كمبيوتر واتصال إنترنت، قادرين على إحداث خسائر تتجاوز ملايين الدولارات وأكثر بكثير مما قد يحدثه جندى يحمل بندقية، وذلك بعدما أصبحنا نعيش الآن فى عصر تحكمه التكنولوجيا، وطلبت حكومة أوكرانيا مؤخرا متطوعين من «الهاكرز» السريين فى البلاد للمساعدة فى حماية البنية التحتية الحيوية والقيام بمهام تجسس إلكترونى ضد القوات الروسية، وفقا لشخصين مشاركين فى المشروع، بحسب موقع gadgets now الهندى، وعندما هاجمت القوات الروسية مدنا فى جميع أنحاء أوكرانيا، بدأت طلبات المتطوعين فى الظهور على منتديات القراصنة، حيث فر العديد من السكان من العاصمة كييف، وجاء فى المنشور «المجتمع الإلكترونى الأوكرانى! حان الوقت للمشاركة فى الدفاع الإلكترونى لبلدنا»، حيث يطلب من المتسللين وخبراء الأمن السيبرانى إرسال تطبيق عبر محرر مستندات Google، مع سرد تخصصاتهم، مثل تطوير البرامج الضارة والمراجع المهنية.
وقال إيجور أوشيف، الشريك المؤسس لشركة للأمن السيبرانى فى كييف، إن المتطوعين سينقسمون إلى وحدات إلكترونية دفاعية وهجومية، وسيتم استخدام الوحدة الدفاعية للدفاع عن البنية التحتية مثل محطات الطاقة وأنظمة المياه.
العقوبات فى العصر الرقمى
رغم أن ظاهرها مجرد شركات لبيع المنتجات والخدمات التكنولوجيا، لكنه أصبح لهذه الشركات بصمة كبيرة فى الواقع الفعلى حاليا، وهو ما ظهر جليا عندما طالب نائب رئيس الوزراء الأوكرانى شركة آبل عبر منصة تويتر بالتوقف عن بيع منتجات الشركة فى روسيا، حيث نشر رسالة مفتوحة إلى الرئيس التنفيذى للشركة «تيم كوك»، وجاء فى تغريدة ميخايلو فيدوروف، نائب رئيس وزراء أوكرانيا، إنه اتصل بكوك وطلب منع بيع جميع منتجاتها وخدماتها إلى روسيا، وفى الوقت نفسه، انتقل كوك إلى Twitter وقال إن الشركة ستدعم الجهود الإنسانية المحلية، وأنه قلق للغاية بشأن الوضع فى أوكرانيا، وتأتى العقوبات التكنولوجية كنوع جديد من العقوبات التى يتم فرضها على الدول، حيث فرضت الحكومة الأمريكية قيودا صارمة على الصادرات ضد روسيا تهدف إلى الحد بشكل كبير من وصولها إلى كل من السلع منخفضة وعالية التقنية من الخارج، إذ نشرت وزارة التجارة الأمريكية قائمة بسياسات ومتطلبات الترخيص الموسعة التى تم تنفيذها ردا على الغزو الروسى الإضافى لأوكرانيا، وبموجب العقوبات الموسعة، سيتعين على الموردين الأمريكيين الذين يرغبون فى الشحن إلى روسيا الحصول على تراخيص للسلع التى لم تتطلب واحدة فى الماضى، وتشمل هذه السلع الإلكترونيات الدقيقة، ومواد الاتصالات السلكية واللاسلكية، وأجهزة الاستشعار، ومعدات الملاحة، وإلكترونيات الطيران، والمعدات البحرية ومكونات الطائرات، بالإضافة إلى ذلك، تضيف الولايات المتحدة الشركات المصنفة على أنها «مستخدمون عسكريون نهائيون» بسبب علاقاتهم المزعومة بالجيش الروسى إلى قائمة الكيانات، وسيتعين على أى شركة تسعى إلى شحن المنتجات المصنوعة فى الخارج إلى هؤلاء المستخدمين العسكريين النهائيين الحصول على تراخيص من الولايات المتحدة إذا كانوا يستخدمون أدوات وتكنولوجيا وبرامج أمريكية الصنع لمنتجاتهم.. وتقول الحكومة إن هذه العقوبات «يجب أن تؤثر بشكل كبير على قدرة روسيا على الحصول على أشياء لا تستطيع إنتاجها بنفسها».
وقررت «جوجل» تعليق خدمة «جوجل ماب» مؤقتا فى أوكرانيا، بسبب العمليات العسكرية الروسية الجارية منذ الخميس الماضى على الأراضى الأوكرانية، وقالت الشركة بحسب «رويترز»: تم تعليق خدمة «جوجل ماب» لدواعى السلامة بالتشاور مع جهات ميدانية فى أوكرانيا.