أبدى الجنرال مينو، القائد الثالث للحملة الفرنسية على مصر «1798 - 1801» رغبته فى الزواج من إحدى عائلات رشيد، وكان يحكمها قبل أن يصبح قائدا لكل الحملة بعد عودة قائدها نابليون بونابرت إلى فرنسا، ثم مقتل قائدها الثانى «كليبر» على يد سليمان الحلبى. كان غرضه من ذلك «التقرب إلى الشعب لدرجة الاندماج فيه»، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من موسوعته «تاريخ الحركة القومية»، مضيفا:«استتبع هذا المشروع اعتناقه للإسلام ليتسنى له الزواج من سيدة مسلمة».
يؤكد «الرافعى»، أن مينو لم يكن يقصد اختيار سيدة بالذات كما زعم بعض المؤلفين، بل كان ما يرمى إليه أن يصاهر عائلة تتصل بالسلالة النبوية، فرغب فى مصاهرة الشيخ الجارم عميد أسرة الجارم العريقة فى الشرف والعلم، ولكن يظهر أن الشيخ تورع عن هذه المصاهرة، وأراد أن يسد الطريق أمام «مينو»، فلم يكد يسمع بهذه الرغبة حتى بادر بتزويج كريمتيه إلى اثنين من تلاميذه.
بحث «مينو» عن عائلة أخرى، فوقع اختياره على «زبيدة بنت محمد البواب الميزونى»، يؤكد الرافعى، أن والدها كان أحد أعيان رشيد، وكانت هى مطلقة من المملوكى الثرى «سليم أغا نعمة الله» الذى تزوجها وهى فى الثامنة عشرة من عمرها، ولم تستمر هذه الزيجة طويلا، وحين تقدم مينو إليها، وافق والدها شرط أن يشهر إسلامه، وينشر الرافعى فى كتابه صورة وثيقة الزواج، مشيرا إلى مكتشفها هو العلامة «على بك بهجت»، وكانت فى محكمة «رشيد الشرعية»، ويؤكد:«تظاهر مينو بتمسكه بالشعائر الإسلامية حتى كان يؤدى صلاة التراويح فى شهر رمضان بمساجد رشيد، وكتب إلى نابليون ينبئه بذلك، ويقول فى رسالة إليه إن هذه الطريقة حببته إلى نفوس الأهالى».
تكشف الوثيقة، أن الزواج تم فى 2 مارس، مثل هذا اليوم، 1799، وأن مينو كان أكبر منها بحوالى ثلاثين عاما، وأنه أشهر إسلامه ونطق بالشهادتين، وأظهر الحب للمسلمين، وسمى نفسه «عبدالله»، وتم الزواج فى حضور مولانا العلامة الشيخ أحمد الخضرى «المفتى الشافعى»، ومولانا الشيح محمد صديق «المفتى الحنبلى»، ومولانا السيد محمد «المفتى المالكى»، وأن صداق زبيدة الذى قدمه «مينو» 100 محبوب كل واحد منها بمائة وثمانين نصفها فضة، وأن يدفع مينو ألفى ريال نظير فراقه لها فى حالة الطلاق، وإن مات وكانت لاتزال فى عصمته، تأخذ من ماله الألفى ريال، وإن ماتا جميعا وخلفا أولادا، تكون أولادهما تحت حماية جمهور الفرنسوية، والزوجان المذكوران يقصدان فضل الحكام الخمسة، فببلاد فرنسا يكونوا نظارا على أولادهما.
يذكر «ج. كرستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر» ترجمة «فؤاد أندروس»، أن مينو حصل على إعفاء من الختان، وتهنئة من نابليون على ما اعتبره تضحية فى سبيل القضية الوطنية، وأن عمله أضفى قدرا من المعقولية على وعد بقرب تحول الجيش الفرنسى إلى الإسلام. يضيف «هيرولد»: بالرغم من أن «مينو» كان يمارس شعائر الدين الإسلامى، بدراسته للقرآن الكريم، وتأدية الصلوات الخمس فى تعبد ظاهر، فإن الجبرتى يصف ذلك بأنه «تظاهر لأسباب سياسية».
يصف «مينو» زبيدة فى رسالة إلى أحد جنرالات الحملة الفرنسية: «زوجتى طويلة القامة، مبسوطة الجسم، حسنة الصورة من جميع الوجوه، لها عينان رائعتان، ولون بشرتها هو اللون المصرى المألوف، وشعرها طويل فاحم، وهى لطيفة الطبع، وجدتها تتقبل كثيرا من العادات الفرنسية بنفور أقل مما توقعت، وأنا لم ألح عليها بعد فى الخروج سافرة على الرجال، فهذا سيأتى شيئا فشيئا، ولن أنتفع بما أباحه النبى من الزواج بأربع نساء خلاف السرارى، فإن فى النساء المسلمات شهوة حارة عنيفة، وفى زوجة واحدة أكثر من الكفاية لى».
يؤكد «الرافعى» أن «مينو وزبيدة» أنجبا ولدا أسماه «سليمان مراد جاك مينو»، وبعد جلاء الحملة الفرنسية عام 1801، سافرت وابنها على سفينة إلى فرنسا، ثم لحق بها «مينو»، وظلت فى عصمته، لكنه تنكر لها وهجرها فى
«تورينو» بإيطاليا، وأبدل بها بعض الراقصات واتخذهن خليلاته، وكان يزورها قليلا، وأنجب منها ولدا، ثم ارتد عن الإسلام، وعاد إلى ديانته الأولى المسيحية، وأخذ ولده الثانى وقام بتعميده وتربى فى أسرة فرنسية.
يذكر رفاعة الطهطاوى فى كتابه «تلخيص الإبريز فى تلخيص باريز»، أن اليقين فى معرفة نهاية زبيدة لا يعرفه أحد، وأن ما يذكر فى ذلك هو عبارة عن تكهنات بعض المؤرخين، ومنهم من قال: «إن ولدها الأكبر توفى فى ظروف غامضة، وأنها لم تستطع الوصول إلى نجلها الثانى بعد وفاة «مينو»، وأن أهلها لم يتمكنوا من الوصول إليها، حيث عاشت فى شوارع مرسيليا تتسكع فى طرقاتها».