انتهت سيدة الغناء العربى، أم كلثوم، من تقديم أغنيتها «إنت عمرى»، فى حفلتها 7 فبراير 1964، وجن جنون الناس بها، بلحن محمد عبدالوهاب، وكلمات أحمد شفيق كامل، وبعد ساعة ونصف الساعة من انتهاء الحفلة، قررت هى وعبدالوهاب البدء فورا فى لقائهما الثانى، فكان الطريق إلى أغنية «إنت الحب»، التى قدمتها فى حفلتها 4 مارس، مثل هذا اليوم، 1965، ويكشف قصتها الكاتب الصحفى نبيل عصمت، فى جريدة «الأخبار»، التى أفردت صفحة كاملة عنها يوم 4 مارس 1965، أى قبل ساعات من رفع الستار عن «أم كلثوم» على مسرح الأزبكية، الساعة العاشرة مساء.
يذكر «عصمت» أنه بعد انتهاء حفل «إنت عمرى» بدأ الاثنان فى البحث عن نص جديد، ووجد نفسيهما يقولان فى وقت واحد: «مافيش غير أحمد رامى»، كان لا يمكن على حد قولهما أن ينسيا الرجل الذى قامت على أكتافه النهضة الشعرية فى الأغانى، ونقل الناس من «ارخى الستارة اللى فى ريحنا.. أحسن جيرانك تجرحنا» إلى «الشك يحيى الغرام» و«غلبت أصالح فى روحى»، وفعلا اتصلت أم كلثوم برامى واتفقت معه على كل شىء، يضيف عصمت: «سافر عبدالوهاب إلى أوروبا، 12 أغسطس 1964، وفى جيبه مطلع الأغنية فقط: «ياما قلوب هايمة حواليك/ تتمنى تسعد يوم برضاك/ وأنا اللى قلبى ملك إيديك/ تنعم وتحرم زى هواك/ الليل عليا طال/ بين السهر والنوح/ واسمع لوم العزال/ أضحك وأنا المجروح/ وعمرى ما اشكى من حبك/ مهما غرامك لوعنى/ لكن أغير من اللى يحبك/ ويصون هواك أكتر منى».
اتفق عبدالوهاب مع رامى، على أن يرسل له بقية الأغنية على إحدى سفاراتنا فى الدول التى سيزورها «النمسا، سويسرا، فرنسا»، وكان عبدالوهاب، كلما وصل إلى إحدى هذه الدول يسأل سفارتنا فيها: «هل أرسل رامى شيئا لى؟»، ويتلقى الإجابة: «لا شىء»، يضيف عصمت: «عاد عبدالوهاب فى منتصف أكتوبر ليجد بقية الأغنية عند أم كلثوم، وعلى الفور بدأت اجتماعات انتهت بتغييرات طفيفة فى بعض الكلمات، وفى منتصف نوفمبر انتهى عبدالوهاب من تلحينها، وفى 21 نوفمبر بدأت البروفات، لكنها كانت تسير بطيئة لانشغال الموسيقيين فى الحفلات والسفر، وفى 15 فبراير 1965 سجلت على أسطوانة، تذكر «الأخبار» أن عبدالوهاب استغرق فى تلحين مطلع الأغنية شهرا ونصف الشهر، وفى بقيتها شهرا، وفى المقدمة الموسيقية 17 يوما، وأجريت عليها 27 بروفة مع الموسيقيين.
بدأت أم كلثوم حفلها فى هذه الليلة بقصيدة «أراك عصى الدمع» كلمات أبوفراس الحمدانى، وتلحين رياض السنباطى، وفى وصلتها الثانية غنت «إنت الحب»، وتذكر «أخبار اليوم» يوم 6 مارس 1965 ما جرى يوم الحفل من أم كلثوم وعبدالوهاب، قائلة، إنه فى الساعة الحادية عشرة صباحا وصل عبدالوهاب إلى فيلا أم كلثوم، وبدأت البروفة الأخيرة بينهما، ومعهما بعض الموسيقيين الذين كانوا فى الكويت ووصلوا متأخرين، وفى الساعة الثانية بعد الظهر تناولت أم كلثوم غداءها ونامت حتى السابعة مساء، وفى التاسعة مساء توجهت إلى مسرح الأزبكية.
أما «عبدالوهاب» فبعد انتهاء البروفة ركب سيارته وسأله سائقه الخاص: «على البيت؟»، رد عبدالوهاب: «لا..على قبر أمى»، تذكر «أخبار اليوم»: «وقف عبدالوهاب أمام قبر أمه 40 دقيقة، وطلب من روحها البركة التى كانت تمنحها له وهى على قيد الحياة قبل أى عمل يقدمه للناس، وعاد إلى البيت فى الساعة الثالثة، وكلما اقترب المساء ازدادت أعصابه توترا، وظل فى البيت مختليا بنفسه يتلو آيات من القرآن الكريم، حتى بدأت أم كلثوم فى قصيدة أراك عصى الدمع، فركب السيارة إلى مسرح الأزبكية».
تضيف «أخبار اليوم»، أنه بعد انتهاء وصلتها الأولى وقف مع الفرقة الموسيقية ليضع اللمسات الأخيرة فى اللحن، وجاءت أم كلثوم لتقف معه، ثم ارتفعت دقات المسرح التقليدية، وانسحب إلى الكواليس، ووقف يستمع وهو يتمتم أيضا ببعض آيات القرآن، وبدأت «إنت الحب» وصفق الناس، وعندما وصلت فى الكوبليه الأول إلى جملة «وقلبى لما سألته عليك/ قال لى دى نار حبك جنة»، اطمأن فخرج بهدوء واستقل سيارته إلى بيته حيث استمع إلى باقى الأغنية التى استغرقت ساعتين وخمس دقائق».
فى 5 مارس «اليوم التالى للحفل» ذكرت «الأخبار» آراء فنانين وشعراء فى «انت الحب»، قال الموسيقار محمد الموجى: «الأغنية جميلة ولكن ما زلت مصرا على أن عبدالوهاب يستطيع أن يقدم أحسن من ذلك»، وقال كامل الشناوى: «إنت عمرى، مثل السيارة الكاديلاك موديل 1964، و«إنت الحب» كاديلاك أيضا، ولكن موديل 1965»، وقال عبدالحليم حافظ: «للأسف لم أسمعها لأننى أخذت حقنة مخدرة ليلة الحفلة، فأنا أعانى من آلام فى معدتى»، وقال بليغ حمدى: «ستغنى أم كلثوم أغنيتى الجديدة فى الشهر المقبل».