على مدار عقود، كانت هناك قضايا مطروحة للنقاش، وأدت الى الكثير من الجدل، منها قضيتا «السكان» و«الإسكان»، ومدى وجود تخطيط للتعامل معهما، وكيف يمكن الوصول إلى تناسب بين الزيادة السكانية والتنمية والتوسع العمرانى؟ وأيضا توزيع الزيادة على مجتمعات عمرانية تستوعبها، ما حدث هو وجود تكدس فى مناطق وأحياء ومدن وقرى، وفراغ فى بعض المدن الجديدة، مع عجز فى الحصول على مسكن للفئات المختلفة.
والنتيجة أن عدد السكان يتضاعف، ويتركز فى مناطق وأحياء محددة، ومحافظات تفتقد إلى امتدادات صحراوية تتكدس بالزيادة السكانية، وفى الوقت ذاته يعجز الشباب عن حيازة مسكن، فيتكدس فى الأحياء ذاتها، وبدا الأمر يشبه لغز «البيضة أولا؟ أم الدجاجة أولا؟»، وخلال أسبوع كانت قضيتا «السكان» و«الإسكان» حاضرتين، مرة أثناء إطلاق مشروع تنمية الأسرة المصرية، والثانية أثناء افتتاح مشروعات الإسكان الاجتماعى والمتوسط فى 6 أكتوبر، وعدد من المحاور والطرق الجديدة، وما يتعلق بتحسين جودة الحياة للمواطنين.
أثناء إطلاق مشروع «الأسرة المصرية»، تحدث رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، عن الدولة المصرية التى تسعى فى الوقت الراهن إلى تنمية تتعلق فى جزء منها بتعويض الماضى، والثانى يتعلق بالبناء، مع وضع الزيادة السكانية الحالية - التى تصل إلى 1.5 مليون سنويا - فى الاعتبار، ولم يكن طرح الأمر إلقاءً للوم على المجتمع، بل إشراك هذا المجتمع فى قضية تتعلق بحاضره ومستقبله، وتهم المصريين جميعا، وليس الدولة فقط.
وكل من يهتم بقضية التنمية، يفترض أن يضع فى الحسبان أن هذا العدد من المواليد، يحتاج إلى خدمات وتعليم وسكن وتموين، ومن ينجب خمسة أو أكثر يؤثر على من يكتفى بطفلين أو ثلاثة، وبالتالى فإن قضية تنظيم السكان تتعلق بخطط التنمية، لضمان الشعور بعوائد ما يجرى، ومنها قضية الإسكان، وأهمية أن تكون هناك مساكن تكفى لضبط التوزيع السكانى، وهذا من خلال ربط التنمية بالنمو السكانى.
الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، قال إنه وعدد من خبراء التخطيط العمرانى، عام 2010 كانوا يناقشون وضع مخطط القاهرة 2020، ويومها قال خبير يابانى إنه بعد دراسة الواقع وقتها، فإن القاهرة عام 2020 لن تكون قابلة للعيش فيها، لأنها ستكون مدينة ميتة، مكتظة بالسكان والكتل الخرسانية، مختنقة تفتقد إلى شبكات طرق، لن تتجاوز السرعة فيها 10 كيلومترات فى الساعة، وقال «مدبولى» إن الخبير اليابانى وغيره، كانوا يتوقعون ألا تكون الدولة المصرية - بقدراتها المتاحة وقتذاك - قادرة على تلبية احتياجات التخطيط والمحاور والطرق، فضلا عن الإسكان، ويخنقها التلوث، وتعجز عن تلبية متطلبات التطور الطبيعى.
رئيس الوزراء قال أيضا، إن الدولة عندما أنشأت الطريق الدائرى ومحور 26 يوليو، كانت تضع فى اعتبارها 5 أو 10 سنوات حدا أقصى، ولم تخطط لاستيعاب الضغط على هذه الطرق، ما أدى إلى أن تصبح غير قادرة على استيعاب الزيادة فى عدد السيارات، وأدوات النقل، وبالتالى وجدت الدولة نفسها الآن بحاجة إلى إعادة توسيع الطرق الدائرية والمحاور، بتكلفة أضعاف التكلفة وقت إنشائها، ثم إن إنشاء محاور وطرق جديدة اليوم، يتكلف أضعاف ما كان يتكلفه لو تم فى الوقت المناسب، أو التخطيط، كما أن توسعة الطريق الدائرى أو المحاور أو تعديلها، تتطلب إنفاقا مضاعفا عما كان وقتها، والمعنى أن التخطيط الصحيح والاستناد إلى خبراء التخطيط العمرانى والاجتماعى، يوفر الجهد والوقت والمال، والأمر ذاته فى قضية الإسكان، فقد تم ترك السوق مفتوحا، والمدن الجديدة بلا خدمات، ولم تشجع على الانتقال إليها، كل هذا يعنى أن الدولة اليوم وهى تخطط للمستقبل تضع فى اعتبارها معالجة النقص أو العيوب فى المشروعات والطرق والكبارى، وفى الوقت ذاته تفتح محاور جديدة بناءً على تخطيط عمرانى يراعى الحاضر والمستقبل.
الرئيس عبدالفتاح السيسى، حرص على التأكيد بأن الدولة تتعامل بخطط لتوفير مساكن تكفى للشباب والأسر الجديدة، وتعيد توزيع الكثافة السكانية بشكل متوازن على المدن الجديدة، من خلال الإسكان الاجتماعى لأصحاب الدخل المنخفض والمحدود، وإتاحة أنواع مختلفة من الإسكان المتوسط تتناسب مع الطبقة الوسطى الأوسع، بحيث يستطيع كل من يريد شقة أن يحصل عليها، وما نراه فى الإسكان الاجتماعى أنه داخل مجتمعات عمرانية تتوافر فيها الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية والدينية، وليست منعزلة عن بقية المساكن المتوسطة، وأن يكون سكن الشخص قريبا من مكان عمله، مع توفير شبكات نقل عام جماعى، وهى أمور تحفز على الانتقال إلى هذه المجتمعات، وتتحمل الدولة جزءًا كبيرا من تكاليف هذه المساكن، ومهما كانت تكلفة الدعم المقدم لهذه المجتمعات، فإنها تنهى عيوب وتراكمات عقود، ثم إن التوسع فى الإسكان المتوسط وفوق المتوسط مع تقديم مبادرات تمويل طويلة المدى، يلبى مطالب لفئات أوسع، ويعالج تراكمات عقود من غياب التخطيط.