جلس بين أقرانه المهاجرين منزويا فى إحدى جوانب الملجأ، الذى يضم عددا كبيرا من المشردين ليحصل على وجبة ساخنة تسد جوع يومه الطويل، الذى يبحث فيه عن فرصة عمل بعد أن نفذت الـ10 دولارات التى أتى بها من بلده، وبجواره حقيبته التى تحتوى على 3 بدل كانت واجهته وعنوانه فى مقابلاته الرسمية أمام أصحاب المطاعم والفنادق.
لم يكن يحلم بالقمة، ولكنه كان يمتلك روح المحارب، التى مكنته من الصعود إليها والتربع على عرشها بين الملوك والرؤساء، "عنان الجلالى" المهاجر الذى بدأ حياته بغسيل الصحون وبيع الجرائد لصاحب أكبر سلسلة فنادق على مستوى العالم وسفير الدنمارك للعلاقات التاريخية.
فى الجزء الأول من حوار "انفراد" معه تابعناه خلسة وهو يباشر عمله فى بهو أحد الفنادق، متحدثا مع أحد العاملين فى أدق التفاصيل، بزيه المعتاد الذى لا يمكن أن تفرق بينه وبين ملابس فريق العمل، فهو واحد منهم يجمع ما بين البساطة والحزم فى معادلة قلما تراها فى الحياة العملية.
وعلى إحدى الطاولات قلت له كيف تمكنت أن تحقق هذه المكانة وهذا الحلم الذى استطعت من خلاله أن تقهر المستحيل، أن تنتقل من موائد المشردين فى الملاجئ وعلى الأرصفة إلى موائد الملوك والرؤساء وكأنه فيلما سينمائيا تداعت فيه كل الأمور الأقرب إلى الخيال، وأجابنى بقوله: أنا بدأت من تحت الصفر فى أوروبا وفخور أنى بدأت من الصفر وبعتبر نفسى مازلت فى اول خطوة ، وبصرف النظر عن سنى والتحديات التى واجهتها وبعتبر أن كل يوم فى حياتى شيء خيالى .
وأضاف "لم أكن أتصور أن يمنحنى الله كل هذه العطايا بدون طموحات وبدون أن يكون لدى أى خطط أومواهب وكانت بداياتى بغسيل اوانى المطبخ وتنظيف أماكن الموظفين وجميع مستلزماتهم.
وتابع : سافرت لاوروبا وأنا عندى 21 سنة وكنت من جيل ثورة 1952 وكان ابى يعمل ظابطا فى ذلك الوقت ويحمل الكثير من الشهادات ويمتلك قدر كبير من الثقافة وكان يستدعى لمناصب مدنية متعددة، وكان يمتلك مكتبة كبيرة فى منزلنا واعتبرتها عدوى الأول ، لانها كانت تستحوذ على وقت كبير من حياته ، مما أثار غيرتى وانا صغير واحد وظائفه كانت سكرتير عام هيئة تحرير مصر الجديدة وكان كل قيادات الثورة موجودين فيها.
وقال : ولم أخجل من أى شيء فى حياتى وكل ما كان ينقصنى فى بداياتى باوروبا هو وجبة طعام واحدة فى اليوم وسبب سفرى هو شعورى بالغربة فى بلدى بعد أن فشلت دراسيا فى الحصول على الثانوية العامة لاكثر من سنة وكل زملائى التحقوا بالجامعات ، وجائتنى فكرة السفر للخارج، ولم يتهمنى احد من أسرتى بالفشل بل دعمونى، مؤكدين أن أهم شيء اننى لم اكن سيئا وسافرت بالفعل ب10 دولارات المسموح ، بها فى ذلك الوقت على متن إحدى البواخر التى تجوب أوروبا، ليستقر بى المقام فى فيينا بالنمسا ولا املك أى شى حتى اللغة، وكل ما معى هو التقاليد والعادات التى احتفظت بها إلى الان و3 بدل و3 كرافتات وخمس قمصان، وكنت بسأل عن الإقامة فى بيوت الشباب وسط المهاجرين السمر.
وأضاف : كنت أبيت فى الملاجىء وكانت اقصى طموحاتى الحصول على وجبة فى اليوم وسرير انام فيه، كما تعرضت لكثير من الاضطهاد وهذا يوجد فى كثير من الدول حتى الديمقراطية، وكنت أعمل فى بيع الجرائد أو فى المصانع وأعمال النقل ومازال ظهرى يؤلمنى حتى الان".
عنان الجلالى والزميل حسام الشقويرى
وعن بداية عمله الحقيقية قال الجلالى: بدأت في بيع الجرائد في وقت حرب 1967 وكنت احزن كثيرا لصور القتلى من أبناء وطنى التي كانت تنشرها الجرائد في الخارج ، ما اصابنى بكثير من الحزن ودخولى في نوبات بكاء شديدة، الامر الذى اضطررت معه لترك هذا العمل، وفكرت في العمل بالمطاعم والفنادق للحصول على وجبة طعام مجانية، وطلبت العمل مقابلها بدون أجر حتى أحصل على الموافقة، وكانت البداية بغسيل الاوانى بالطريقة اليدوية وبعدها كانت سعادتى كبيرة للعمل بإحدى ماكينات التنظيف.
وعن انطلاقه نحو الاستقلالية وبداية أعماله وعلاقاته بالملوك والرؤساء في الدانمارك والعالم تابعوا معنا الجزء الثانى من الحوار .