عصام الإسلامبولى: نموذجان صارخان فى استخدام التشريع من أجل مصالح شخصية
وكيل لجنة القوى العاملة: الإخوان أول من ألغى عدم الاستمرار بعد الـ60 لإدخال عناصرهم والإطاحة برموز النقابات
"تفصيل القوانين" ظاهرة عرفت على مدار برلمانات ما قبل ثورة 25 يناير، وتحديدا خلال "برلمان فتحى سررو" حيث كانت تعد التشريعات ليستفيد منها أشخاص بعينهم وليس للمصلحة العامة، وفيما يبدو أن هذه الظاهرة لم تنته وأنها لازالت موجودة فى برلمان 2016، البرلمان الذى أتى بعد ثورتين.
أمامنا نموذجان على ظاهرة "تفصيل القوانين" فى البرلمان الحالى، الأول هو مشروع قانون مقدم من عدد من الأعضاء ووافقت عليه لجنة القوى العاملة بشأن تعديلات قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976، والثانى هو مشروع القانون المقدم من النائب محمد أنور السادات والذى يهدف إلى تحصين البرلمان الحالى من الحل.
تعديلات قانون النقابات العمالية تفتح الباب لمن بلغ سن التقاعد بالاستمرار فى العمل النقابى، فيما يتعلق بتعديلات قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 1976 والمقدم من عدد من النواب، والتى سيصوت عليها مجلس النواب فى جلسة الأحد 26 يونيو الجارى، تضمنت إدخال تعديلات بإضافة مادتين، إحداهما مد الدورة النقابية الحالية لمجالس إدارة المنظمات النقابية العمالية لمدة ستة أشهر تبدأ من اليوم التالى لتاريخ انتهاء الدورة النقابية الحالية أو لحين صدور قانون النقابات أيهما أقرب، والمادة الثانية وهى تم استحداثها على المشروع الحالى وتنص على أحقية من بلغ سن الستين الاستمرار فى العمل النقابى والحق فى الانتخاب أو الترشح للمنظمات النقابية العمالية.
لجنة القوى العاملة بمجلس النواب وافقت على هذه التعديلات وقدمت تقريرا إلى رئيس المجلس حول التعديلات لمناقشتها والتصويت عليها فى جلسة عامة، وخلال الجلسة الماضية تم التصويت عليها بالفعل إلا ان رئيس المجلس أرجأ التصويت لجلسة اليوم لعدم اكتمال النصاب.
اللافت للنظر هنا فى هذه التعديلات هى أنها ألغت القرار الجمهورى بالقانون رقم 97 لسنة 2012 بمنع من بلغ سن الستين من الانتخاب أو الترشح للنقابات العمالية، والذى كان يهدف إلى تجديد الدماء وإتاحة الفرصه للصف الثانى والشباب فى الدخول فى التنظيمات العمالية، ونص التعديل الذى وافقت عليه لجنة القوى العاملة على السماح لمن يبلغ سن التقاعد – 60 عاما – بالاستمرار فى العمل النقابى والحق فى الترشح والانتخاب، بما يفيد عدد من القيادات الموجودة فى الاتحاد العام للعمال والتى قاربت على بلوغ الستين وعلى رأسهم جبالى المراغى رئيس لجنة القوى العاملة بمجلس النواب ورئيس اتحاد العمال، ومحمد وهب الله وكيل لجنة القوى العاملة وأمين عام الاتحاد العام للعمال.
ففى سبتمبر المقبل يكمل النائب محمد وهب الله عامه الستين – مواليد 25 سبتمبر 1956 - بينما يكمل النائب جبالى المراغى سن الستين فى فبراير المقبل – مواليد 23 فبراير 1957 – وهو ما يثير الشبهات حول تعديلات قانون النقابات العمالية فى أنها تأتى لخدمة أشخاص بعينهم.
أعلن عدد من نواب البرلمان رفضهم لهذه التعديلات وصوتوا عليها بالرفض خلال الجلسة الماضية التى لم يكتمل فيها النصاب، لرؤيتهم أن التعديلات تأتى بالفعل لخدمة أشخاص ونواب بعينهم، مؤكدين على أنه لا داعى للاستعجال فى تعديل بعض مواد القانون لضمان استمرار نواب بعينهم فى التنظيمات النقابية، خاصة وأن مجلس النواب بصدد تلقى مشروع قانون جديد للنقابات العمالية.
تحصين البرلمان من الحل
أيضا مشروع القانون المقدم من النائب محمد أنور السادات بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979، والذى يهدف إلى تحصين البرلمان الحالى من الحل، ينطبق عليه منطق "تفصيل القوانين"، فالمقترح المقدم من النائب السادات يطالب بإضافة فقرة لنص المادة 49 من قانون المحكمة، بأنه فى حال بطلان تشكيل مجلس النواب لعدم دستورية نص أو أكثر من القوانين أو اللوائح المنظمة، فلا يطبق أثر حكم المحكمة الدستورية العليا فى هذه الحالة، إلا عند التشكيل التالى للمجلس، وذلك دون الإخلال بحق مقيم الدعوى فى التعويض.
وقال السادات حول مقترحه، إن مشروع القانون يستهدف الحفاظ على استقرار واستمرار المؤسسة التشريعية فى أداء مهمتها، حرصا على وجود سلطة تشريعية قائمة.
وقد قررت لجنة الاقتراحات والشكاوى بالمجلس تأجيل مناقشة المقترح لحين أخذ رأى المحكمة الدستورية.
الإسلامبولى: تعديلات "النقابات العمالية" يخدم مصالح أشخاص بعينهم.. و"تحصين البرلمان" قانون فاسد
من جانبه علق عصام الإسلامبولى الفقيه الدستورى والمحامى بالنقض، قائلا، إنه سواء تعديلات قانون النقابات العمالية أو المقترح الخاص بتعديل قانون المحكمة الدستورية لتحصين البرلمان هما نموذجان صارخان فى استخدام التشريع من أجل مصالح شخصية، وينطبق عليها ما كنا نسميه بـ"تفصيل القوانين"، مؤكدا على أنهما قوانين فاسدة وتفتقد من الأساس لمفهوم القانون الذى ينبغى أن تتوفر فيه العمومية والتجرد.
وتابع الإسلامبولى لـ"انفراد"، فيما يتعلق بمقترح "تحصين البرلمان من الحل"، أنه قانون "فاسد" يبتغى مصلحة بعينها لصالح أشخاص بعينهم وهم أعضاء البرلمان، ولا يجوز أن ينطبق عليه مفهوم القانون بسماته وهى العمومية والتجرد لأنه يعبر عن مصالح واضحة ومفضوحة لأشخاص بعينهم، مضيفا، كما أنه يهدر قيمة الحكم بعدم الدستورية إذا ما صدر حكم بحل مجلس النواب، فما قيمته إذا كان لم ينفذ على الفور، وشدد على أن هذا المقترح مخالف للقانون والدستور.
وقال الإسلامبولى، ونفس الأمر ينطبق هنا على التعديلات الخاصة بقانون النقابات العمالية فهى قائمة على مصالح أشخاص بعينهم ليستفيدوا من تلك التعديلات، بالتالى يقوم القانون هنا أيضا لحماية مصالح خاصة تفتقد العمومية والتجرد، وهذا أمر لا يجوز بأى حال مع القانون، وإذا ما صدر بهذا الشكل يطعن عليه أمام القضاء.
رئيس سابق بمحكمة الاستئناف: القوانين لابد أن تتسم بالحيدة والتجرد وتبعد عن أى غرض شخصى
واتفق معه المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة الاستئناف سابقا، مؤكدا على أن القواعد المنظمة لإصدار القوانين تفترض أن تكون تتسم بالحيدة وأن تكون مجردة وتهدف للصالح العام بعيد عن أى غرض شخصى وإذا ما خالفت ذلك فإنها تكون مهددة بالبطلان والطعن عليها بعدم الدستورية أمام القضاء.
وقال الخطيب لـ"انفراد"، حول تعديلات قانون النقابات العمالية، إنه من حق من بلغوا سن الستين عاما أن يكون لهم تمثيل فى المجالس المنتخبة للتعبير عن مشاكلهم ولكن بضوابط معينة كأن يكون تمثيلهم مجرد مقعد أو أثنين على الأكثر لا أن يكون الأمر بشكل مطلق، بذلك تتحقق الغاية من تواجدهم فى الاتحادات وتتاح الفرصة لغيرهم من الكوادر الشابة والدماء الجديدة لحمل راية العمل النقابى للارتقاء بمستوى خدماته، مؤكدا على أن التعديلات بصورتها الحالية تتعارض مع العمل النقابى وتفتح الفرصة لمن خدم أو تقاعد بأن يزاحم الاجيال الجديدة.
بينما أكد رئيس محكمة الاستئناف السابق على أن المقترح الخاص بتحصين البرلمان وعدم جواز حله حتى مع صدور حكم قضائى هو عدوان صارخ على أحكام المحكمة الدستورية إذا ما قضت ببطلان القانون الذى أنتخب مجلس النواب على أساسه، لأن أحكامها واجبة الاحترام وعلى مؤسسات الدولة تنفيذها.
وكيل لجنة القوى العاملة: تعديلات النقابات العمالية تهدف إلى الاحتفاظ بالخبرات وليس استمرار شخصيات معينة فى مناصبهم
بينما نفى محمد وهب الله وكيل لجنة القوى العاملة والأمين العام لاتحاد العمال، أن يكون الغرض من التعديلات الخاصة بقانون النقابات العمالية هو خدمة مصالحه أو مصالح رئيس الاتحاد للاستمرار فى مناصبهم، مؤكدا على أن فكرة استمرار من يبلغ سن الستين فى العمل النقابى موجودة فى القانون منذ 40 عاما، وتم إلغاؤها فى عهد خالد الأزهرى وزير القوى العاملة فى فترة حكم جماعة الإخوان للإطاحة بكثير من شيوخ القيادات العمالية والسماح بدخول عناصر من الاخوان للتنظيمات النقابية.
وأضاف وهب الله لـ"انفراد"، أن الهدف من هذا التعديل أو بالأصح عودة القانون إلى أصله هو ضمان وجود خبرات فى العمل النقابى وليس استمرار شخصيات بعينها، وكذا دمج أصحاب الخبرات القديمة مع الشباب فى العمل النقابى.