حركتالعملية الروسيةالتى تقودها روسيا فى الأراضى الأوكرانية منذ أكثر من أسبوعين مياه راكدة فى سوق المرتزقة والشركات الأمنية الخاصة، التى كان ظهورها الأول أمام الإعلام العالمى فى الغزو الأمريكى للعراق، حين ظهرت شركة "بلاك ووتر" الأمريكية بقوة على مسرح العمليات فى الشرق الأوسط لتقدم خدماتها نيابة عن الجيش الأمريكى وهو ما خلق رواجًا واسعًا فيما بعد لهذا العالم الخفى من تجارة الحروب وبزنس المرتزقة العابر للحدود والقارات.
وبعد أيام من انطلاق العملية الروسية فى أوكرانيا 24 فبراير الماضى، ظهرت إعلانات على الإنترنت تباعًا فى المملكة المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة، تطلب من الجنود ذوى الخبرة الانضمام إلى القتال مع زيادة حدة القتال فى أوكرانيا، وفى خطوات لتكوين فيلق اجنبى عرض على المرتزقة الأجانب 2000 دولار يوميا مقابل القتال إلى جانب القوات الأوكرانية.
"المحترفون الصامتون" ترفع التسعيرة لـ2000 دولار
وفى الولايات المتحدة، رفعت شركة "Silent Professionals" تسعيرة المرتزقة إلى ألفى دولار بخلاف المكافآت، ورحبت بانضمام ذكور وإناث لصفوف مقاتليها، وقالت فى بيان نشرته صحيفة تايمز: " كل من الوكلاء الذكور والإناث مرحب بهم للتقديم.. فقط المرشحين ذوى الخبرة العالية الذين يمتلكون ما لا يقل عن 5 سنوات من الخبرة العسكرية فى هذه المنطقة من أوروبا سيتم أخذهم فى الاعتبار لهذا الدور ولا استثناءات."
وأضافت الشركة فى بيانها: "شعب أوكرانيا يقاتل من أجل الحرية والديمقراطية، ليس فقط من أجل أوكرانيا، ولكن من أجل أوروبا بأسرها.. بالتأكيد، إذا أراد الناس دعم هذا النضال، فسندعمهم فى القيام بذلك."
الأسعار الجديدة التى رفعتها الشركة الأمريكية جاءت بعد إيام من إعلان دولًا أوروبية عدة فتح الباب أمام متطوعين للقتال فى الأراضى الأوكرانية، وبمقدمتهمالمملكة المتحدة، والتى أكدت على لسان مسئولين حكوميين أن دفعات المتطوعين المتوجهين إلى كييف ليسوا مرتزقة، وإنما مدافعين عن قيم الحرية والاستقلال.
وفى تصريحات لصحيفة تايمز، قال قال روبرت يونج بيلتون، المؤلف الكندى الأمريكى والخبير فى الشركات العسكرية الخاصة، أن هناك "حالة من الجنون فى السوق" للمتعاقدين من القطاع الخاص فى أوكرانيا اليوم، محذرًا فى الوقت نفسه من أن الطلب على عمال الأمن بأجر - وكثير منهم جنود سابقون لديهم القدرة على القتال والقتل - فى خضم الحرب يترك مجالًا كبيرًا للأخطاء، واحتمال حدوث فوضي.
ولم تحدد منصة "المحترفون الصامتون" المزيد من تفاصيل ومواصفات من ترغب فى إلحاقهم، ولكن وفقًا لبيلتون، يتم التعاقد مع المقاولين مقابل ما بين 30 ألف دولار و6 ملايين دولار للمساعدة فى إخراج الأشخاص من أوكرانيا، وقال أن الرقم الأعلى مخصص لمجموعات كاملة من العائلات التى ترغب فى المغادرة بأصولها.
وتختلف تسعيرة المقاتلين المرتزقة، وفق المهام الموكلة إليهم، فبحسب تونى شينا، الرئيس التنفيذى لشركة "موسياك" وهى شركة استشارات أمنية واستخباراتية مقرها الولايات المتحدة، ولها أنشطة بالفعل داخل الأراضى الأوكرانية، فإن مهام الإجلاء على سبيل المثال تختلف من منطقة لآخرى، وحسب عوامل المخاطر المحيطة بها، حيث قال: "سعر الإجلاء يعتمد على مدى تعقيد العمل، فعندما يكون هناك عدد أكبر من الناس، تزداد المخاطر، والأطفال والأسر أكثر صعوبة.. كل هذا يتوقف على ما نمر به".
"بلاك ووتر".. جنود الظل فى غزو العراق
كانت الشركات العسكرية والأمنية الخاصة موجودة منذ عقود، لكنها تصدرت المشهد خلال الحربين فى العراق وأفغانستان بعد 11 سبتمبر، حيث كانت تعمل نيابة عن الحكومات الغربية والمصالح التجارية.
فى ذروة حرب العراق، كان هناك عشرات الآلاف من المتعاقدين من القطاع الخاص مثل بلاك ووتر. وتراوحت المهام بين المهمات المسلحة مثل حماية القوافل وإطعام وإسكان القوات فى القواعد العسكرية.
أصبحت بلاك ووتر سيئة السمعة بعد عدد من الحوادث البارزة، بما فى ذلك مقتل 14 مدنيًا عراقيًا برصاص مقاوليها فى بغداد عام 2007، مما أدى إلى غضب العراقيين وتوتر العلاقات بين العراق والولايات المتحدة وفى عام 2014 تم محاكمة أربعة من عناصر بلاك ووتر فى المحكمة الاتحادية الأمريكية، وأدين واحد من الموظفين بتهمة القتل المتعمد، وأدين الثلاثة الآخرون بتهمة القتل غير المتعمد باستخدام أسلحة نارية، وادعت عناصر بلاك ووتر أن قافلتهم العسكرية قد تعرضت لكمين، وأنهم أطلقوا النار على المهاجمين للدفاع عن القافلة.
تأسستبلاك ووترفى عام 1997 من قبل ضابط البحرية الأمريكى السابق إريك دين برنس وفق القوانين الأمريكية التى تسمح بمصانع وشركات عسكرية خاصة، عرفت سابقا باسم بلاك ووتر، ثم أعيدت تسميتها إكس آى للخدمات عام 2009، وتعرف حاليا باسم «أكاديمي» منذ عام 2011 وتمتلك أكبر موقع خاص للرماية فى الولايات المتحدة يمتد على مساحة 24 كيلو مترا فى ولاية كارولاينا الشمالية.
وتعمل الشركة فى جميع أنحاء العالم، وتقدم خدماتها الأمنية من تدريب وعمليات خاصة إلى الحكومة الأمريكية والأفراد على أساس تعاقدى، حيث قدمت خدماتها إلى وكالة الاستخبارات المركزية منذ عام 2003، بما فى ذلك عقد بمبلغ 250 مليون دولار عام 2010 كما تلقت الشركة عام 2013 عقدا بقيمة 150 مليون دولار تقريبا لحراسة أمن وزارة الخارجية الأمريكية.
وتملك الشركة قاعدة بيانات لنحو 21 ألف جندى سابق من القوات الخاصة تستطيع الاعتماد على خدماتهم، ولديها تجهيزات تسليح متطورة لا تقل عما تمتلكه الجيوش النظامية.
وقد تعرضت الشركة لانتقادات واسعة، بعد نشر كتاب "بلاك ووتر ـ أخطر منظمة سرية فى العالم" للمراسل والصحفى والكاتب السياسى الأمريكى جيريمى سكاهيل، الذى ذكر عدة معلومات موثقة ضد الشركة، أبرزها دعمها للجيش الأمريكى بالعراق، مقابل خضوع جنودها للحصانة من الملاحقات القضائية.
الخدمات الأمنية الخاصة.. سوق متعدد الجنسيات
وفى بريطانيا تحتل شركة "جى فور إس" للخدمات الأمنية الصدارة، حيث تأسست عام 2004، وتوصف بأنها أكبر "جيش خاص" فى العالم، مقرها الرئيسى فى كرولى الواقعة جنوب لندن فى ويست ساسكس.
وتعتبر هذه الشركة ثالث أكبر موظف قطاع خاص فى العالم بعد وول مارت وفوكسكون، ولديها أكثر من 657 ألف موظف، وتصنف على أنها أكبر شركة أمنية فى العالم من حيث العوائد والعمليات التى تشمل 125 دولة وقدر دخلها السنوى عام 2014 بنحو 6 مليارات و848 مليون جنيه إسترلينى.
يليها شركة "داينكورب" وتأسست فى العام 1946، وهى واحدة من أكبر الشركات الأمنية الخاصة فى العالم، توظف نحو 17 ألف شخص، وقدرت عائداتها عام 2010 بنحو 4 مليارات دولار، وهى جزء من الرابطة الدولية لعمليات السلام.
وفى روسيا، تعتبر شركة "فاجنر" اكبر واقوى الشركات فى هذا المجال وهى منظمة روسية شبه عسكرية، وقد وصفها البعض بأنها شركة خاصة التى قيل أن مقاوليها شاركوا فى صراعات مختلفة.
قالت سورتشا ماكليود، التى ترأس مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة بشأن استخدام المرتزقة، لصحيفة الإيكونوميست إنه من منظور قانونى، فاجنر غير موجودة مشيرة إلى انها شبكة من الشركات والمجموعات وليست كيانًا واحدًا.
ويعتقد أن المجموعة ممولة من يفغينى بريجوزين، وهو رجل أعمال له صلات وثيقة بفلاديمير بوتين الذى يُزعم أيضًا أنه يدير "مزرعة ترول" فى روسيا، وهى وكالة أبحاث الإنترنت.
وبريجوزين هو واحد من العديد من الاوليجارشية الروس الذين فرض الغرب عقوبات عليهم مؤخرًا ردًا على العملية العسكرية فى اوكرانيا
وقال الاتحاد الأوروبى أن فاجنر أسسها ديمترى أوتكين، وهو جندى روسى سابق، ويقال أنه سمى على اسم ريتشارد فاجنر، الملحن المفضل لهتلر.
ومجموعة فاجنر مملوكة للقطاع الخاص ولكن إدارتها وعملياتها "متشابكة بشدة" مع المجتمع العسكرى والاستخباراتى الروسى، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية(CSIS)، وهو مركز أبحاث أمريكي.