أصوات الآيات القرآنية التى تحملها الرياح مختلطة بروائح الحرائق المنطفئة أصبحت طقسا عاديا فى قرية "المناصافور" التى يعيش أهلها رعبا لا يعرفون سببا ماديا له سوى فكرة واحدة لا يعرف أحد بالضبط متى بدأت وكيف انتشرت، لا حديث سوى عن الجن والحرائق التى يشعلها، الأطفال مرعوبون مما يجهلونه، والنساء لا يكففن عن قراءة التعاويذ والأدعية حتى لا تتكرر هذه المعاناة مرة أخرى، بينما الشيوخ من الرجال يحاولون التغلب على حيرتهم بالصلاة ليلا ونهارا حتى تنقشع تلك الغمة، حتى هؤلاء الذين تلقوا قدرا مناسبا من التعليم لا يستطيعون إنكار ما يردده الأهالى عن أفاعيل الجن.
قرية المناصافور التابعة لمركز ديرب نجم بالشرقية التى يتجاوز عدد سكانها 18 ألف نسمة، ونسبة الأمية فيها لا تتجاوز 6%، فكل منزل بها لا يخلو من الدكتور والمعلم والمهندس والضابط، حتى عمدة القرية "عامر إبراهيم عامر" وهو ناظر مدرسة سابق بالتربية والتعليم لا يقبل اتهام قريته بـ"الجهل" فيما يعتقدونه عن الحرائق فهو "يثق تماما فى ثقافة أهل قريته" حسبما أكد لـ"انفراد".
منذ أيام تعرضت قرية "المناصافور" بالشرقية لحرائق كبيرة تلتهم المنازل، كلها كانت تقيد ضد متهم واحد لكنه مجهول وغامض وهو "الجن"، فالأهالى لا يتهمون أحداً ولا يشكون فى أحد، فمَنْ إذن الذى عكر صفو القرية وعبث فى ركائز استقرارها وهدوئها؟ فالحرائق حقيقة والفاعل غامض.
كانت هانم الحنفى عبد القادر، تمتلك 5500 جنيه داخل المنزل تحوّطا من نوائب الدهر، ولما احتاجتها وذهبت لتحضرها وجدت المنزل يحترق دون سبب، وبعد انتهاء الحريق لم تجد النقود بالمنزل، هكذا روت مأساتها مؤكدة أنهم استخدموا الوسائل المعتادة لإطفاء الحريق دون جدوى، لكن بعد ترديد التكبيرات توقفت النيران وذهبت لمنزل آخر.
هانم لم تكن الوحيدة التى أصابتها الحيرة، فجارتها أميرة حسمت أمرها بالقول: "النار اللى بتولع عندنا بسبب الجن مبنعرفش نطفيها، ومش قادرين ندخل بيوتنا من الرعب والخوف ومش عاوزين حاجة من حد زى ما بيقولوا علينا عاوزين بطاطين، إحنا غلابة آه بس إحنا مكفّيين نفسنا كويس ومش محتاجين حاجة من حد مهما كان، وده هيفضل طول عمرنا".
تلك الروايات المرعبة تركت أثرها فى نفوس الأطفال الذين لم يكتفوا فقط بتصديقها لكنهم أيضا عبروا عنها بطريقتهم الخاصة، يقول كريم محمد: "كنا بنصلى المغرب وراجعين بنبص فجأة لقينا البيوت بتولع وإحنا خايفين ومش قادرين ندخل بيوتنا، ولما الدور الأول يطفى نلاقى الدور التانى بيولع وكل شوية عايشين نفس الكارثة وخايفين من الجن أحسن يموتنا".
الاتهامات لمعتنقى قصة "الجن" فى القرية لم تقلل من ثقة أهل القرية فيما يعتقد، حيث يقول علاء محمود متحديا: "أى واحد مؤمن بالله عارف أن فيه حاجة اسمها جن وإحنا مش جهلة ونعرف ربنا كويس، وبيوتنا حرقها الجن واللى يعرف يقول غير كده ييجى يقول لنا هنا من غير شهرة على الشاشات".
بينما يشير إبراهيم عزت محمد إلى ما تبقى من منزله متحسرا ليضيف: "بيتى ولع كله وفضلت أطفّى مفيش فايدة وجبت 20 طفاية حريق ومفيش فايدة فيها، ومحدش حاسس بينا، وكل واحد بيتكلم على مزاجه وإحنا مش محتاجين نشحت لأننا مبسوطين".
أسئلة كثيرة طرحها أهل القرية لكنهم على يقين تام بأن "شيئا مريبا" يحدث، فـ"كمال عامر" أحد المتضررين يعتبر وصول سيارة المطافئ بخزان فارغ جزءا من المؤامرة، فيتساءل: "يعنى إيه عربيات المطافى توصل البيت نلاقى الخزان بتاع الميه فاضى، يعنى إيه الدولاب يولع من جوه والهدوم تتحرق والدولاب ميحصلوش حاجة؟ يعنى إيه ابنى يبقى نايم على السرير والنار تاكل المرتبه والنار متلمسوش؟ يعنى إيه النار تاكل مصحف بتاع ربنا؟ الجن ورا كل اللى بيحصل واللى يقول عكس كلامنا جاهل بالعلم والدين".
وتابع عبد الهادى محمود خليل "شقتى اتحرقت فى 10 دقايق كلها، كتلة نار جات فجأة والشقة اتفحمت فجأة وده عمره ما كان طبيعى، وطول عمرنا عايشين هنا عمرنا ما شوفنا الكلام ده".