نظم الأزهر الشريف، الملتقى الأول لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، تحت عنوان " الفتوى الإلكترونيَّة ودورُها في التنمية المستدامة"، بحضور كبار العلماء، وتحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، حيث عقد الملتقى صالون ثقافى تناول فيه مشاكل المجتمع فى ظل الفضاء الإلكتروني وكيفية مواجه الأفكار المتطرفة، ودور الفتوى فى تنمية المجتمع.
من جانبه قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، إن الفتوى تؤثر بشكل كبير في سعادة الإنسان، لأنها تحدد علاقة الإنسان بغيره من البشر وبين علاقته بربه ومعرفة أحكام الله والتي بمقتضاها إذا إنقاد الإنسان إلى هذه الأوامر والأحكام فإنه يسعد في الدنيا والآخرة، مبينًا أن التجديد ينطلق من الفهم الواعي لما ورثناه من علمائنا السابقين.
وأوضح الدكتور جمعة خلال مناقشته المحور الثالث والذي جاء تحت عنوان "تجديد الخطاب الإفتائي ودوره في التنمية المستدامة" من محاور ملتقى الأزهر العالمي الفقهي الأول"دور الفتوى الإلكترونية في التنمية المستدامة"، أن الفتوى تقوم على عدة أركان وهذا من إفرازات الأزهر العلمية ومنها أن يدرك النص سواء كان من الكتاب والسنة أو من اجتهاد العلماء إدراكا صحيحا، كما عليه أن يدرك الواقع، ثم يجب عليه أن يطلق ما فهمه من الكتاب والسنة وما فهمه من العلماء السابقين على ذلك الواقع النسبي الذي يتغير كل حين، فيراعي مصالح العباد دون تغيير أو تبديد، ومن هنا يستطيع المفتي أن يتعامل مع الواقع المتغير ويطلق عليه مطلق الشريعة.
وأكد الدكتور حسن الصغير، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن أصول التشريع الإسلامي قد تنبهت إلى قضية التنمية المستدامة منذ نزول القرآن الكريم والوحي على رسولنا الكريم، بما يؤكد أن التراث الإسلامي يزخر بملامح التنمية المستدامة، مؤكدا أن هناك تأثير وتأثر متبادل بين مجالي الفتوى الإلكترونية والتنمية المستدامة، وأن الخطاب الإفتائي والدعوي بلا شك هو آداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة.
وأوضح الأمين العام لهيئة كبار العلماء، خلال كلمته بالملتقى الفقهي الأول لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أثرت بشكل كبير في تطور آلية وصول الفتوى الشرعية إلى الجمهور المتلقي، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، واللقاءات التفاعلية المباشرة مع الجمهور، حتى أصبح المفتي الآن مهموما بالاطلاع على كم أكبر من القضايا والإلمام بكافة التخصصات، كما أن المؤسسات الدينية والإفتائية أصبحت تبادر بتوضيح الرأي الشرعي في القضايا التي تشغل الرأي العام، والتي يتم رصدها من خلال مراكز متخصصة في الرصد الالكتروني.
واقترح الدكتور حسن الصغير أن يتم العمل على تطوير فقه الخلاف والحوار، بما يضمن وصول الناس إلى مرحلة متقدمة من الوعي بقبول الرأي الآخر، بالإضافة ضرورة تغذية الرأي العام بفقه التمويلات الاستثمارية من أجل تشجيع الناس على الاستثمار لدعم خطط الدولة نحو التنمية المستدامة.
وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد والمشرف العام على مركز الفتوى خلال كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للملتقى الفقهي الأول الذي ينظمه مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية بعنوان: "الفتوى الإلكترونية ودورها في التنمية المستدامة"، إن عصرنا يشهد تغيرات هائلة في العلم والثقافة والاجتماع والأدب، وكثير من هذه التغيرات كانت في الغالب انعكاسا للعولمة التي جعلت من العالم قرية إلكترونية صغيرة تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعية والاتصالات الفضائية والقنوات التلفزيونية، وقد ظهرت تلك التطورات الهائلة في مجال تكنولوجيا التواصل والاتصال، وصار الفضاء الإلكتروني الجديد هو الأرض الخصبة؛ لنشر الأفكار والآراء والمعتقدات والفلسفات، التي اقتحمت على الناس بيوتهم من خلال الهواتف الذكية وما تشتمل تطبيقات وبرامج.
وأضاف عياد أن التكنولوجيا الرقمية تعد هدفًا مـن أهـداف التنمية المستدامة التي تم الإعلان عنها من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عنوان "تحويل عالمًا" في عام 2015م مـن خـلال تسخير الإمكانات اللامتناهية التي توفرها تقنية المعلومـات مـن أجـل إحلال تنمية مستدامة اجتماعية تهدف إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي.
وفى السياق دعا الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، إلى منع تصدر غير المتخصصين للفتوى الشرعية، قائلا "لو تصدر غير المتخصص في الطب أو القانون لتعرض لعقوبات، لكن للأسف الزي الأزهري هو مشاع بين الجميع".
وأضاف المحرصاوي في كلمته خلال الملتقى الفقهي الأول لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أنه للأسف أصبح الدين مهنة من لا مهنة له، مؤكدا أنه لا تجديد للخطاب الديني دون تحديد من له حق الحديث فيه.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن المفتي يجب أن يكون موسوعيًا يتصف بصفات علمية معينة تمكنه من التصدر للفتوى، وأن يكون متقنا للغة العربية، مؤكدا أنه من الخطأ الشديد أن يتقوقع المفتي داخل التخصص، خاصة في وقت فرض فيه التطور في وسائل التواصل تنوعا في كافة المجالات، محذرا من خطورة استخدام الجماعات المتطرفة لهذا التطور، بما يوجب على المفتي مواكبة التقدم للتمكن من إبطال مزاعم هؤلاء المتشددين.
وألقى الدكتور أسامة الحديدي، المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونيَّة، البيان الختامي للملتقى الفقهيِّ الأول لمركز الأزهر العالميِّ للفتوى الإلكترونيَّة، والذي انعقد تحت عنوان: "الفتوى الإلكترونيَّة ودورُها في التنمية المستدامة".
وجاءت
المُخْرَجاتِ والتوصياتِ التي توصَّلْ إليها المشاركون في الملتقى الفقهي الأول على النحو الآتي:
أولًا: المُخْرَجات:
1) ترتكزُ التنميةُ المستدامةُ على مفاهيمَ عِدَّةٍ، تتلخَّصُ في: النُّمُوِّ، والتغيير، والاستمراريَّة؛ حيث تعملُ على زيادةِ فُرَصِ العملِ ونُمُوِّ الإنتاج، كما تعملُ على الارتقاء بالبِنْيَةِ التحتيَّةِ، وتنميةِ القُدرات والموارد البشريَّة، مع الحفاظِ على استدامة هذه الموارد والاستفادة منها، والعملِ على زيادة القدرة المحليَّة على التخطيط والإدارة والمشاركة الفعَّالة.
2) وَضَعَت الشريعةُ الإسلاميَّةُ من خلال كُليَّاتها ومقاصدِها العامَّةِ أُطُرًا عامَّةً غيرَ مسبوقةٍ في الحفاظ على تحقيق أهدافِ التنميةِ المُستدامةِ في جميع المجالات، كما أكَّدت على دور الشباب في دعمِ هذه الأهداف والنهوض باستراتيجيَّة التنمية المُستدامة، والعمل على مجابهة التغيُّرات والطوارئ المستقبليَّة ووضع الحلول المناسبة لها.
3) يدعمُ الأزهرُ الشريفُ بكلِّ قطاعاته وإداراته وفي مقدِّمتها مركزُ الأزهر العالميُّ للفتوى الإلكترونيَّة بما فيه من أقسامٍ علميَّةٍ وإفتائيَّةٍ دَوْرَ الدولةِ المصريَّةِ في تحقيق أهدافِ التنمية المُستدامةِ من خلال تفعيل دَوْرِ الكوادر المتخصِّصةِ والمؤهَّلة علميًّا وإداريًّا والعملِ على تنفيذ هذه الأهداف على أرض الواقع.
4) ضرورةُ تجديدِ الخطابِ الإفتائيِّ المعاصر؛ لمواجهةِ خطرِ الفكرِ المنحرِف الذي يُعرْقِلُ تحقيقَ أهدافِ التنمية المستدامة؛ وترسيخِ الفهم الصحيح للدِّين الحنيف بمنهجه المعتدل في إرساءِ قِيَمِ التسامُحِ والسلامِ والمواطَنةِ والتعايُشِ المشترك، ودحض شُبُهات الفكر الجامد المتطرِّف وتفنيد تأويلاتِه الشاذَّة والمنحرفة.
5) نؤكِّد على أهميَّة "الفتوى الإلكترونيَّة" ومَسيسِ الحاجةِ إليها في العصر الحاضر، وأنها قد أصبحت أهمَّ الوسائل التي تعتمدُ عليها المؤسَّساتُ الدينيَّةُ المتعدِّدةُ في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان صحيح الدين، ودعم الاستقرار المجتمعي.
6) نُثَمِّنُ دَوْرَ الخطابِ الإفتائيِّ المعاصر الذي يقوم بقراءة التُّراثِ الإسلاميِّ قراءةً واعيةً يستخرجُ من خلالها القضايا والمسائل التجديديَّةِ التي تُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ممَّا يؤكِّدُ أنه لا تعارُضَ بين التراثِ الإسلاميِّ والتجديدِ وقضاياه المتعددة.
7) العملُ على بناءِ الإنسانِ وتحقيقِ الاستقرار المجتمعي يُعدُّ ركيزةً أساسيَّةً لتحقيق أيَّةِ تنميةٍ مُستهدَفةٍ؛ لذا تأتي أهميَّةُ إطلاق البرامج الشاملة للتوعية الأسريَّة والمجتمعيَّة بالتعاون مع كافَّة مؤسَّسات الدولة وهيئاتها ووزارتها؛ للمحافظة على الأسرة وحمايتها من التفكُّك؛ لكونها وحدةَ بناءِ المجتمع وأحدَ أهمِّ عوامل استقراره، وتحقيق رفاهيته وتقدُّمِه.
ثانيًا: التوصيات:
يُوصي الملتقى الفقهيُّ الأولُ لمركز الأزهر العالميِّ للفتوى الإلكترونيَّة جميعَ الهيئات والمؤسَّسات المعنيَّة بما يأتي:
(1) ضرورةُ التعاون والتكاتُف من أجل تحقيق أهداف البرنامج الأمميِّ للتنمية المستدامة 2030م الذي تُشارك فيه الدولةُ المصريةُ بكل طاقاتها ومؤسساتها.
(2) أهميةُ عقد الندواتِ التثقيفيَّة، والدوراتِ العلميَّةِ والتوعويَّةِ للجمهور بهدف الإسهام في الارتقاء بالمستوى الفكريِّ والثقافيِّ لأفراد المجتمع؛ وتعزيز الوعيِ والاهتمام بالقضايا الاقتصاديَّة والسياسيَّة والبيئيَّة المتعلقة بالتنمية المستدامة.
(3) ضرورةُ إطلاعِ المؤسَّساتِ الإعلاميَّةِ على حقيقة دَوْرِها في دعم الفتوى الإلكترونيَّة فيما يتعلَّقُ بتحقيق أهداف التنمية المُستدامة، وتقديم ذلك للمجتمع.
(4) ضرورةُ سنِّ تشريعاتٍ قانونيَّةٍ قويَّةٍ ورادعةٍ، من شأنها المحافظةُ على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجالات المختلفة.
(5) أهميَّةُ توجيهِ عنايةِ المؤسَّسات العلميَّةِ والأكاديميَّةِ بضرورة إعطاء الأولويَّةِ في البحوث والرسائل العلميَّةِ في الفترة الحالية لمناقشة قضايا التنمية المستدامة من حيثُ: آليَّاتُ تحقيقِ أهدافِها، والتحدياتُ التي تُواجِهُها في هذا الإطار وطُرُقُ التغلُّب عليها، وكذلك تقديمُ المشورةِ والرأيِ العلميِّ، والمشاركةُ الفعَّالةُ في خدمة المجتمع ببرامجِ عملٍ قابلةٍ للتنفيذ على أرض الواقع.
(6) ضرورةُ إنشاءِ اللجانِ والوحدات المتخصِّصة لدعم جهود التنمية المستدامة في جميع هيئاتِ الدولةِ المصريَّةِ ومؤسَّساتِها ، وذلك بهدف المشاركة الفاعلة والإسراع في تحقيق أهداف التنمية على أرض الواقع.
(7) يُوصي الملتقى بضرورة التوسُّع في إعداد المحتويات الرقميَّة الدينيَّة الوسطيَّة بِبُعْدٍ تجديديٍّ ينطلقُ من الأصول والثوابتِ، ويقرأُ الواقعَ المعاصرَ؛ لما لها من دورٍ في بناء الوعي وتحقيق التنمية المستدامة