المرأة رئيسًا للدولة.. مدحت صفوت يقرأ فى أسانيد الأصولية الرافضة لإمامة النساء: حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" من أحاديث الآحاد ومعلول سندًا وخاص ببنت كسرى.. والإمامة مصلحة عامة مفوضة لنظر الخلق

من البائس أننا وفى القرن الحادى والعشرين نناقش مسألة وصول المرأة إلى رئاسة الدولة!! فالعالم لم يعد يفكر بهذه الطريقة، فالمرأة تقود ألمانيا ووزارة خارجية أمريكا وكانت برئاسة البرازيل وسبق أن كانت بالهند وبنجلاديش وغيرها.

لكن هذا هو حالنا، فحسب تقارير دولية ورسمية 2013، تعد مصر "الأسوأ فى حقوق المرأة" بين الدول العربية، فضلًا عن انتشار التحرش الجنسى، وختان البنات، وتصاعد سطوة الجماعات الرجعية التى تزدرى النساء، ويلى مصر، العراق ثم السعودية وسوريا واليمن!! • المصريون يرفضون أن تصبح المرأة رئيسة للجمهورية يشير استطلاع رأى أجرته عام 2014 مؤسسة "جسر" لأبحاث المسوح إلى أن 73% من المصريين يرفضون تولى النساء رئاسة الجمهورية!! وفى اعتقادنا أن الأسباب متعددة ومختلطة، ونتيجة تراكمات ثقافية "أصولية دينية، وقبلية، وثقافات محافظة" وغيرها.. لكن السند الدينى يعد أقوى العوامل التى ترى فى المرأة كائنًا ناقصًا غير جدير بتولى المهام والمسئوليات الكبيرة، ويتفق فى ذلك الأصوليات الدينية المتباينية، إسلامية وغيرها.

• كل الخطابات الدينية متورطة الخطاب الأصولى الدينى فى مصر، إسلامى ومسيحى، يرى أن المرأة وظيفتها الرئيسية وأحيانًا الوحيدة، تأكيد تفوق الرجل وتمرير فعاليته وهيمنته و"قوامته"، هنا تتشابه الرؤيتان الأرثوذوكسية والوهابية عن المرأة، حتى يبدو الأمر وكأنه نابع من ذات المصدر، فالمرأة لدى الأصوليين "ناقصة عقل ودين"، وإذا كان قد كمل من الرجال كثير فلم يكمل من النساء إلا آسيا ومريم وخديجة وفاطمة، يلاحظ هنا أن اكتمال النساء فى الماضى تام ومنته، ما يعنى أن بقية نساء العالمين سيصيبهن النقص سواء فى العقل أو الدين أو فى كليهما، فهى التى خلقت من ضلع أعوج.

المقولة الأخيرة ترددها الأرثوذوكسية، لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل، كما أن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة "خُلقت" من أجل الرجل، فالرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح أيضًا رأس الكنيسة. ولا تغدو المرأة سوى مصدر "الفتنة" التى هى من الشيطان، سواء عند الأرثوذوكسية أو الوهابية مثلًا، وعبارة "الرجل هو رأس المرأة" ليست تنويهًا بسيطًا؛ بل شعار ومبدأ موجه لتعاليم من يطلقون عليه أحيانًا اسم "معمار" المسيحية، وليس منعزلًا عن صلب العقيدة المسيحية!! • لكن الواضح أن المرأة المسيحية تأخذ حقها أكثر من المسلمة كل ذلك لا يتخطى مسألة الشكل، مثل حرية عدم ارتداء الحجاب وبعض الملابس القصيرة، حتى ذلك ليس بشكل دائم، فمن حين لآخر يخرج كاهن ينتقده، آخرها ما صرح به الأنبا بيشوى من منع البنات المرتدات "بناطيل" من الصلاة.. لكن تظل المرأة كائنًا "نجسًا" فى أوقات معينة بالشهر، هكذا يقول الأصوليون.. والسبب فى تبنى هذه الرؤية هى الأصولية اليهودية.

• الأصولية اليهودية ودورها تتفق اليهودية بأصوليتها مع الأصوليتين الإسلامية والمسيحية فى الموقف من المرأة، لتصبح نصوص اليهودية مصدر التصور الشيطانى عن النساء، وعلى الرغم من أن "الشيطنة النسائية" ليست اختراعًا توراتيًا، فسبقت اليهودية تصورات دينية وغير دينية عن المرأة الشيطان، ومركز الغواية، والملعونة بغضب الإلهة، فإن الأصولية اليهودية بنصوصها الأولى شرعت وشرعنت التصور المشيطن عن المرأة. وضعت الديانة الموسوية إطار النسق التشريعى والمبرر لاحتقار المرأة وتحميلها مسئولية الشرور، ومحور الغواية ومنبعها. بالتالى فمسئولية مقاومة الشيطنة والحد من الغواية والفتنة، والحفاظ على تقاليد المجتمع مطابقة أو قريبة من التصور الدينى تقع على كاهل الرجل/ آدم، الممثل للتصور الخيّر والمثالى، وبوصفه رمز القوامة والاستقامة المستندة فى أغلب الأحايين على الفوارق البيولوجية.

• ما علاقة ذلك بالسند الدينى لرفض إمامة المرأة سياسيًا؟ المشكلة أن المسلمين تبنوا الرؤية الدينية السابقة عن النساء، والتى انتهت إلى وضعية "محتقرة" للمرأة، أو على الأقل وضعت النساء فى درجة أقل من الرجل، وحاول الفقهاء تشريع ذلك الوضع انطلاقًا من "وَلِلرِّجَالِ عَلَيهِنَّ دَرَجَةٌ".. ونظرًا لعدم وجود أى نص قرآنى صريح بمنع تولى المرأة للمناصب السياسية العليا، لكن الأصوليين يستندون فى رفض قيادة المرأة السياسية إلى حديث نبوى ينص على "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".

لكن بعيدًا عن أننا لا ننتخب رجلًا أو امرأة، وأغلب الحكام العرب "قضاء وقدر"، ما قصة هذا الحديث؟ وكيف يردد الرسول مثل هذا الكلام؟ فالتاريخ يمكن أن يرد عليه ويصبح الموقف متأزمًا حين نرى فلاح قوم ما بعد أن تولت أمرهم امرأة، كألمانيا مثلًا، أو الهند أو غيرها!! قصة الحديث الحديث بالفعل ذُكر فى البخارى ومسند أحمد والترمذى والنسائى، وجميعهم نقلوه عن راو واحد وهو "أبو بكرة الثقفى"، ومع ترديده فى كتب الأحاديث المشهورة لكن بالنظر فيه وطبقًا لقواعد علم الحديث، سنكتشف بعض النقاط التى قد تنسف حجية الحديث برمته..

أولًا: يعرف هذا الحديث بواحد من أحاديث الآحاد، أى التى يرويها صحابى واحد أو تابعى واحد أو فى سنده شخص واحد هو الطريق لمتن (لفظ) الحديث، والحديث يعرف بالأحاد الغريبة، حيث تنقسم الآحاد إلى مشهور وعزيز وغريب، وحديث "لن يفلح" من النوع الثالث، واختلف الفقهاء فى وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد، لكن الرأى الأسلم ألا يتم العمل بها.

ثانيًا: الحديث معلول سندًا، يعنى سنده فيه علّة، مشكلة، وهى خاصة براويه الصحابى أبى بكرة الثقفى، حيث جُلد فى قذف من قبل، أى طبق عليه الحد بمعرفة عمر بن الخطاب. ومع رفض علماء الحديث قبول أخبار من طُبق عليه حد كحد القذف فإنهم يستثنون أبا بكرة!! معتبرين أحاديثه "صحيحة" استنادًا إلى "فمن كان قذفه بلفظ الشهادة لم يقدح ذلك فى عدالته". وطبيعى يمكن أن نقبل القاعدة لو أنها تطبق فى كافة حالات الرواة، لكن استثناء أبى بكرة له أسباب عديدة أهمها علاقات قبلية وسطوة "الثقفي".

ثالثًا: ورغم أن الحديث ينتمى إلى أحاديث الآحاد، لكن صيغه متعددة!! بالعقل كيف يكون راو واحد وصيغ متعددة؟!! فالصيغ هى "قوم ولوا أمرهم امرأة"، و"أسندوا أمرهم امرأة" "ولى أمرهم امرأة"، تعدد الصيغ مع ثبات الرواى كفيل بالتشكك فى صياغة الحديث برمته، ومع ذلك للحديث مناسبة لابد من أخذها بعين الاعتبار لفهم العبارة إن صحت نسبها للنبى.

تذكر المراجع التاريخية والخاصة بالسيرة النبوية أن النبى بعث بكتابه إلى المقوقس وهرقل وكسرى، فأحسن الأول والثانى الاستقبال بينما رفض كسرى ومزق الكتاب، وهنا بدأ الصراع بين الإمبراطورية الفارسية والدولة الإسلامية المحمدية الجديدة، وفى خضم الصراع وبعد أن مات كسرى وتولت ابنته "لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً". أى أنه خطاب حرب، وتأويله الطبيعى هو رفع الروح المعنوية لأنصار دولة النبى والهجوم النفسى على العدو، فالواقعة تشير إلى أن الخطاب هنا إخبار عن حال وليس تشريعًا عامًا ملزمًا كما يستند الأصوليون فى رفض تولى النساء لأية مناصب سياسية.

سبق أن اتفقنا فى مناقشات سابقة أن السُّنة الصحيحة لا يجب أن تخالف القرآن، أو أن تتعارض وتصرفات النبى ذاته.. فالخطاب القرآنى يروى عن قوم بلقيس بلغة فيها تبجيل وتوقير وقد حققت بلقيس معهم تقدمًا ولم يصيبهم الخسران، عكس الفلاح، كما أن زوج النبى عائشة قادت الجيوش بنفسها، لماذا لم يقل صحابى لها "لن يفلح قوم"!! نستنتج من كل ما سبق أن الولاية من المصالح العامة التى يترك أمر تدبيرها إلى الأمة فهى ليست من المسائل المتصلة بالعبادات والمعتقدات، ليس الأمر هنا تكرارا لكلام "كلام على عبد الرازق" فى كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، ورغم أنه ليس عيبًا أن نردد كلام على عبد الرازق، لكن هذا الكلام أقدم بكثير من عهد كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، فابن خلدون يقول فى مقدمته الشهيرة "الإمامة من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق"، ما يعنى أننا من نحدد شكلها وجنس القائم عليها ولا دخل لا من قريب أو من بعيد للدين، يعنى ابن خلدون، اللى مش علمانى ولا بيحارب الدين، يعزل الدين هنا عن أمور الحكم وعن شكله وشروطه.

السؤال لماذا يتمسك الأصوليون برفض قيادة المرأة سياسيًا؟ أشرنا إلى أن العوامل متداخلة، لكن العامل المقدس والحقيقى وراء رفض قيادة النساء لمناصب السياسة، هو ربط الأصوليين بين الإمامة السياسية وإمامة الصلاة. فالممارسة السياسية لدولة الخلافة الإسلامية ترتبط بين رئيس الدولة وإمام الصلاة، وهو ربط غير مبرر فقهيا ولا نصيًا، لكن رواسبه ظلت ببنية العقل الأصولي، وتخوفات أن يرى الأصوليين تقود الصلاة تجعلهم يرفضون منحها أو اكتسابها أى دور سياسي، يصل إلى رفضها تولى منصب تشريعى أو قضائي، بل يصل الأمر حد "وقرن فى بيوتكن".

• تريد أن تقول بأن مسألة إمامة المرأة للصلاة مختلف عليها؟ هذه قصة أخرى سنتناولها فى المقالة المقبلة



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;