تمر غدا التاسع عشر من شهر مارس، الذكرى 33 لاسترداد طابا، والتى أتمت السيادة المصرية على أرض سيناء بعد ملحمة دبلوماسية توجت فى العام 1989 برفع العالم المصرى على آخر بقعة مستردة من أرض الفيروز، وتحديدا فى الثانى عشر من شعبان، الذى يحل أيضا ببركته وخيراته فى الذكرى الـ33.
وفى هذا الصدد قال الدكتور مفيد شهاب،رئيس جامعة القاهرة ووزير التعليم العالي الأسبق، عضو هيئة الدفاع المصرية لاستعادة طابا إن استعادة مدينة طابا للسيادة المصرية انجاز عظيم يكشف عن الإرادة المصرية القوية في تحرير كامل تراب ارضها ، وأن الدولة المصرية في كل ما قامت به من أجل تحرير سيناء كانت تخطط بأسلوب علمي يعتمد على الخبراء والمتخصصين وبحس وطني كامل وإرادة وعزيمة قوية.
وأشار مفيد شهاب إلى ان الدولة المصرية تمكنت من استخدام القوة العسكرية في أكتوبر 1973 وعبور خط "بارليف" ودخول ارض سيناء و إعلان تصميم الشعب المصري على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الغالية مهما كلفه ذلك من تضحيات ، فكان نصرا عسكريا حاسما ، وأوضح أن إسرائيل وجدت نفسها مضطرة للدخول في مفاوضات للتسوية بعد حرب أكتوبر، وكانت معركة هامة انتهت بالتوقيع على اتفاق السلام اكدت فيه مصر وتمسكت بالانسحاب الكامل من الأراضي المصرية ورافضة كل محاولات إسرائيل للإحتفاظ ببعض المناطق ، أو شراء منشئات كانت قد بنتها كمستوطنات فى أرض سيناء، فكان ما حدث في معاهدة السلام نصرا سياسيا مكملا لنصر أكتوبر العسكري ومستندا إليه.
وأوضح شهاب في حوار خاص لـ"انفراد" بمناسبة الذكرى ال 32 لاسترداد طابا ، أن إسرائيل عندما حاولت الاحتفاظ بمواقع استراتيجية وسياحية في الأراضي المصرية مثل طابا ورأس النقب، دخلت مصر في مفاوضات طويلة وصممت على الانسحاب الكامل من كل الأراضي المصرية و انتهت هذه المفاوضات بدون نتيجة ، فأجبرت مصر إسرائيل على القبول بالتحكيم الذي إنتهى بالحكم بأن ما تطالب به مصر من مواقع وعلامات في ترسيم الحدود سليما فكان هذا نصرا قانونيا قضائيا مكملا للنصر السياسي والنصر العسكري ومستندا إليهما.
وأضاف شهاب: "هكذا أقول أن تحرير طابا يمثل لي التاريخ المصري الذى كان دوما مع عدم التفريط في شبر من أراضي الوطن، وتعبر هذه الذكرى عن إرادة مصرية قوية وتخطيط بأسلوب علمي لتحرير ارض الوطن وتمثل الحس الوطني القوى وتجسد مقولة ما ضاع حق وراءه مطالب طالما ان هناك تصميم وإرادة سياسية قوية على استعادة الأرض " متابعا :" هذا يوم خالد يجب ان يظل دائما في ذاكرة كل المصريين"
-من المعروف أن اللجوء للتحكيم لا يتم بإرادة منفردة وإنما يجب أن تتوافق الدولتين على قبول التحكيم ،فكيف تمكنت مصر من إجبار إسرائيل على القبول بالتحكيم؟
للأسف في العلاقات الدولية والمجتمع الدولي الالتجاء للتحكيم ليس حق لأى دولة بشكل منفرد بعكس الحال في المجتمع الداخلي الذي يحق لأي طرف أن يلجأ فيه إلى القضاء ويستخدم حقه القانوني في التقاضي دون الحصول على موافقة الخصم ،وأرى أن هذه نقطة ضعف في العلاقات الدولية بعدم وجود سلطة تجبر الدول بقبول التحكيم .
ويضيف شهاب: "أثناء المفاوضات لاستعادة طابا ضغطنا بأننا مصممين على اللجوء للتحكيم إستنادا إلى النص الصريح الوارد في اتفاقية السلام بأن أي نزاع ينشأ بمناسبة تطبيق وتنفيذ هذه الإتفاقية يحل أولا بالتفاوض وإذا فشل التفاوض في حل النزاع يلجأ الطرفان إما إلى التوفيق او إلى التحكيم، وبالمناسبة طالبت إسرائيل باللجوء للتوفيق لكننا رفضنا تماما لأننا نعلم أن التوفيق عملية سياسية أما التحكيم عملية قانونية".
-ماذا كان سيحدث لو قبلنا بالتوفيق؟
التوفيق يعنى أن نلجأ لطرف يوفق بين مصر وإسرائيل لحل النزاع بشأن طابا وما يعرضه الموفق ليس ملزما لاي من الطرفين ،وكان من الممكن أن يعرض حلول مثل حصول مصر على نصف طابا وإسرائيل على النصف الأخر ،وكانت العملية ستهدف إلى تقديم حلول وسطية وتنازلات من الطرفية لأن الطرف الموفق في النهاية لا يطبق القانون .
وأذكر وقتها أن وفد إسرائيل في المفاوضات كان رافضا للتحكيم وقرر الانسحاب ،وكان مقررا ان يجرى شيمون بيريز زيارة إلى مصر لكن الرئيس مبارك رفض إستقباله إلا إذا طلب من الوفد الإسرائيلي البقاء في مصر وإعلان قبولهم بالتحكيم والتفاوض حول إتفاق التحكيم ،هذا بالإضافة إلى أن المجتمع الدولي مارس ضغوطا على إسرائيل حتى تقبل بالتحكيم ،وكانت هناك خشية داخل إسرائيل بفشل عملية السلام مع مصر بأعتبار أن مصر هي أول دولة عربية تعترف بإسرائيل وكان لديهم أمل في التفاوض مع باقي الدول العربية ،فقبلوا بالتحكيم على أمل تصدير أي حجج تكون في صالحهم وأن تفشل مصر في الدفاع عن حقها .
وعلى أي حال فأن الطرف الذي يكون مطمأن لأنه صاحب حق يقبل بالتحكيم ويتمسك به اما الطرف الذي يتشكك في أحقيته ويريد أن يحصل على ما لا يستحق ويغتصب أراضي الغير فانه يرفض التحكيم ويطالب بالتفاوض ويستخدم أسلوب المماطلات
- ما هي الورقة التي حسمت التحكيم لصالح مصر ؟
في مثل هذه القضايا جميع الأوراق حاسمة حتي يتولد لدى المحكمين القناعة بالنتيجة التي سيتوصلون إليها ،لذلك لا يمكن أن نقول أن هناك ورقة بعينها حسمت التحكيم لصالح مصر ،والوفد المصري قدم حجج كثيرة بعضها خرائط تعود إلى فترة ما بعد حصول مصر على الحكم الذاتي من الإمبراطورية العثمانية وكانت توضح أن طابا داخل الحدود المصرية ، وأيضا قدمنا خرائط تخص الاحتلال البريطاني لمصر عندما طالب قوات تركية بالانسحاب من طابا لأنها تقع داخل حدود مصر التي كانت تحت الاحتلال البريطاني أنذاك ،وقدمنا مرافعات ومذكرات وشهادات شهود .
وأيضا إسرائيل قدمت حجج لصالحها من بينها كتب مطبوعة داخل مصر توضح أن طابا جزء من فلسطين لكننا رددنا على كل هذا ،ومن مجموع ما قدم من أدلة وحجج تولدت قناعة لدى المحكمة بأن طابا مصرية.