مع الأخذ فى الاعتبار، أن هناك تأثيرات لكورونا، ثم الحرب فى أوكرانيا، وتداعياتها بين روسيا وأوروبا على الأسعار العالمية، مع ارتفاع أسعار النفط والغذاء، فإن الدولة أخذت زمام المبادرة وتعاملت مع الأمر منذ البداية وبشكل استباقى، واضعة فى اعتبارها تأثيرات قسرية، وفى الوقت ذاته تحرص على التعامل على أكثر من محور، الأول ضمان تأمين الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الأساسية والثانى وصولها للمستهلك بسعر عادل، والتعامل مع الموازنة العامة بشكل يحافظ على توازن النقل والخدمات، فإذا كان المخطط هو التعامل مع سعر النفط بـ65 دولارا، فإن كل دولار يضيف على الموازنة ما بين 120 و150 مليون دولار، وهذا الفرق تتحمله الدولة حتى تثبت أسعار النقل، وبالتالى ترفع تكلفة إضافية يمكن أن ترفع الأسعار بشكل أكبر، ونظرة على أسعار الوقود فى الدول التى تتركه لسعر السوق تماما تكفى لكشف المقارنة، وتعى الدولة ذلك وتتحمل الفرق.
وما حدث خلال الفترة الماضية، أن بعض التجار رفعوا الأسعار بعيدا عن أى قواعد للسوق من العرض والطلب، وظهر هذا فى وجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة، وبالنسبة للقمح - أساس رغيف الخبز - ارتفعت أسعاره عالميا، والدولة حافظت على سعر الرغيف المدعم، فى المقررات التموينية، وبالنسبة للخبز الحر غير المدعم، سارع بعض منتجى الخبز برفع سعره، بالرغم من أن الحكومة تسلمهم الدقيق بالسعر القديم، ولهذا وجه الرئيس السيسى، الحكومة، بجانب توفير الاحتياطى من القمح والسلع الأساسية، بتوسيع الرقابة على الأسواق، ودراسة تكلفة إنتاج رغيف الخبز الحر وتسعيره، على أن توفر وزارة التموين الدقيق اللازم للمخابز لضبط السعر.
مجلس الوزراء يفوض وزير التموين فى وضع آلية لتسعير الخبز الحر، على أن يتم تطبيقها لمدة ثلاثة أشهر، وهذه الخطوات تسهم فى ضبط عملية إنتاج وتوزيع الخبز الحر والتى تشهد فوضى، الدولة لا تفرض تسعيرة قسرية، بل إنها تمنح المنتج هامش ربح مناسبا جدا، يصل إلى 20 أو 25 قرشا فى الرغيف الواحد، لكن ما يحدث أن المحتكرين يريدون تحقيق ربح يساوى ضعف التكلفة، سواء فى الخبز غير المدعم، أو الفينو، بينما يفترض أن يتم تحديد السعر بالوزن وليس بالعدد، حتى تسهل المحاسبة، وهى قواعد مطبقة فى دول كثيرة بالعالم، وقد نكون أمام فرصة لوضع قواعد عادلة، تضمن هامش ربح معقولا للمنتج، وسعرا مناسبا للمستهلك، فى وجود الرقابة، لضمان قوانين العرض والطلب.
والحقيقة أن جولة الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الجمعة فى مصر القديمة، ومناطق القاهرة، تكشف عن خطة واضحة للتعامل، وهى ليست جولة للاستعراض بل للاستماع، حيث أدار الرئيس حوارا مع منتجى الخبز، وقال إن الدولة مع أن يكسب منتج الخبز بناء على الحسبة الاقتصادية، وألا يبيع بخسارة، وقال إن تكلفة الرغيف 65 قرشا، شاملة الدقيق والعمالة والوقود والتوزيع والكهرباء، وفى حالة تحقيق هامش ربح عشرين قرشا، لمخبز ينتج 10 آلاف رغيف يعنى ربح 4 آلاف جنيه، ما يعنى عائدا مجزيا فى دورة عمل سريعة يومية، والمفارقة أن أحدهم رد بأن الأسعار ارتفعت بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، فرد عليه الرئيس: «لكنكم تحصلون على الدقيق بالسعر العادى والدولة لم ترفع سعر الدقيق»، حيث سأل الرئيسُ، الشابَ، عن سبب غلاء الخبز الحر، فأجاب الأخير: بسبب الارتفاع العالمى، وهنا تدخل الرئيس: «أنت مالك بالعالمى؟! هو إحنا زودنا عليكم الدقيق؟!».
كان الرد كاشفا عن مدى إدراك الدولة والرئيس للتكلفة والحرص على أن يربح المنتج، بشرط أن يتبع قوانين السوق، مع العلم أن التكلفة والتفاصيل كلها معروفة، وأن مخالفة ذلك تعنى نوعا من المخالفة التى تستوجب المواجهة، لأن الأمر لا يتعلق بالضمير، ولكن بالقانون، وهى رسالة واضحة بدأ تطبيقها، وإحالة مخالفين للنيابة والقضاء.
الرئيس أدار حوارات وطلب من المواطنين تقديم ما يرونه فيما يتعلق بالأسعار، ونظن أن هذه الجولات والرسائل، واضحة، للمنتج، وعلى وزارة التموين والجهات الرقابية أن تنهى تحديد السعر العادل، والاستعداد لمحاسبة المخالفين بكل حسم، وهو أمر يرضى المواطن والمجتمع.