استمر لقاء الرئيس جمال عبدالناصر، مع أعضاء الهيئة البرلمانية «مجلس الأمة»، من الساعة السادسة وعشر دقائق حتى الساعة العاشرة والنصف مساء 24 مارس، مثل هذا اليوم، 1970، وفقا للأهرام يوم 25 مارس 1970، أجاب خلالها عن 107 أسئلة من النواب.
كانت الجلسة مغلقة، وطلب «عبدالناصر» إعداد ملخص لها تتم إذاعته، قائلا: «أقترح - حفاظا على ما نريد الحفاظ عليه، وعلى سريته - أن يتم إعداد ملخص لها، وذلك لأننى جئت إلى هنا وفى نيتى أن أجيب عن كل ما أستطيع الإجابة عنه»، وفى 26 مارس 1970، نشرت «الأهرام» ملخصا أعده رئيس مجلس الأمة الدكتور لبيب شقير، وشمل الملخص عناوين رئيسية هى: «الموقف الدولى حول قضية الشرق الأوسط، والاتحاد السوفيتى، والموقف العربى، والمواجهة العسكرية، والموقف الداخلى».
كان حديثه عن الموقف الدولى مثيرا، وكشف فيه عن حقائق مواقف الدول الكبرى بعد عدوان 5 يونيو 1967، واستعرض بالتحليل المشروعات التى تقدمت بها هذه الدول، وقال عن الموقف الأمريكى: «كان واضحا منذ البداية أن أمريكا لا يمكن أن تعطينا حلا سلميا لأن الحل السلمى معناه الانسحاب الكامل لإسرائيل من الأراضى المحتلة سواء فى مصر أوفى الأردن أوفى سوريا، ثم حل موضوع اللاجئين وحقوق الشعب الفلسطينى، وكان هذا يعنى حصولنا على انتصار سياسى يؤثر على المنطقة كلها، وكان من الواضح أن هناك نوعا من الارتباط بين أمريكا وإسرائيل فى هذا الخصوص، إذ بين وزير خارجية إسرائيل بعد ذلك فى أحد أحاديثه لإحدى الصحف الأمريكية أنه عندما كان فى أمريكا قبل العدوان وعده الأمريكيون بأنه إذا استطاع أن يحتل الأراضى العربية فأمريكا تضمن أن يصدر قرار بإيقاف القتال وألا يصدر قرار بالانسحاب».
وكشف عن طبيعة المشروعات الأمريكية ونواياها لحل القضية، قائلا: «توالت بعد ذلك مشروعات أمريكية مختلفة كان يظهر منها جميعا أنها تريد أن تحل الموضوع المصرى الإسرائيلى فقط بدون حل الموضع الأردنى الإسرائيلى، والموضوع السورى الإسرائيلى، أو الفصل وتجزئة الحلول، بحيث يكون هناك حل لمصر، وحل منفصل للأردن، ولذلك رفضنا مبدأ فصل هذه الحلول، لأنها كانت تستهدف إخراج مصر من الموضوع، باعتبارها مركز الثقل السياسى والعسكرى، وبذلك تستطيع الضغوط الإسرائيلية والأمريكية أن تحقق ما تستهدفه إسرائيل من ضم أراض عربية جديدة، ونحن لا نقبل أن تجزأ القضية العربية إلى عدة قضايا تفصيلية، وحين نتكلم عن الانسحاب فلا بد أن يكون الانسحاب من جميع الأراضى العربية.
وحدد المقصود بالحل السلمى، قائلا: «الحل السلمى لا يعنى الحل الاستسلامى، بل معناه الجلاء الكامل عن كل الأراضى العربية المحتلة بما فيها القدس والضفة الغربية والجولان، وحل مشكلة اللاجئين وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بالنسبة لها، وأننا راغبون فى الحل السلمى إذا حقق لنا ذلك، أما إذا لم يحققه فلا سبيل إلا أن نسترد حقوقنا العادلة بالقوة»، وقال: «إن موقف إسرائيل ومساندة الولايات المتحدة لها فى عدوانها واستمراره، يعتبر منعا لأى حل سلمى، وخلاصة الموقف الآن فى هذه الناحية هو أنه لا أمل فى الاتفاق على حل سياسى إلا بوصولنا لدرجة من القوة يشعر عدونا معها أننا سنستطيع بهذه القوة الحصول على حقوقنا إذا لم نحصل عليها بالحل السلمى».
وقال: «إن الاتحاد السوفيتى نفذ تعهداته تجاهنا بالكامل سواء فى المجالات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية»، وأضاف: «إننا متفقون معه على ضرورة العمل من أجل إيجاد حل سياسى للأزمة إذا كان هناك سبيل لحل سياسى، ذلك أن أحدا فى هذا العالم لا يريد الحرب للحرب، كما أن العالم نفسه ليس مستعدا لقبول منطق الحرب إلا إذا كان دفاعا عن حق مشروع، وكانت سبيلا وحيدا لم يبق غيره للدفاع عن هذا الحق المشروع»، وكشف عن أن أمريكا وحلفاءها يقومون بحملة ضد علاقتنا بالاتحاد السوفيتى، ووصلوا فى ذلك إلى حد اختلاق أسباب الوقيعة لدرجة أنهم قدموا إلينا مشروعا يعرفون أننا لا نستطيع قبوله ثم أوحوا إلينا بأن الاتحاد السوفيتى أقر معهم هذا المشروع، لكن الحقيقة انكشفت حينما سألنا الاتحاد السوفيتى عن ذلك، فأكد لنا أن المشروع أمريكى متحيز لإسرائيل بالكامل.
وأجاب «عبدالناصر» عن الأسئلة التى تتعلق بمستقبل العمل العربى وتناول مواقف الدول العربية، وكان حديثه شديد الحرارة عن المقاومة الفلسطينية التى اعتبرها أهم التطورات الإيجابية فى نضال الأمة العربية بعد معارك يونيو 1967، وأشار إلى التقدير الخاص الذى تحتفظ به مصر تجاه منظمة فتح وتجاه منظمة التحرير الفلسطينية.