يعرف كل من يتابع الإعلام أو حتى مواقع التواصل فى مصر والعالم أن هناك عناصر وهموما مشتركة بين الدول، فى ظل ثورة معلومات، تتيح لمن فى مكان ما من الكرة الأرضية أن يعرف ما يدور فى أركان العالم بل ويتفاعل معه، بعد أن أصبح العالم قرية، أو ربما غرفة صغيرة، صحيح أن شعوب ومجتمعات العالم تختلف فى ظروفها الاقتصادية، لكن هناك نوعا من الأزمات تؤثر على الجميع، ونقول هذا بمناسبة الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها الصعبة على الاقتصاد والتضخم والأسعار، وعلى مدى الأيام السابقة منذ الحرب، نتابع انعكاساتها فى كل الدول بما فيها المتقدمة، حيث تؤثر قفزات أسعار النفط والغاز على باقى الأسعار، وقد شاهدت تقريرا فى قناة ألمانية وآخر على قناة أمريكية يستطلع آراء الناس عن ارتفاع أسعار بعض السلع، بل واختفاء بعضها، مع ثبات الدخل، وكيف يفكرون فى التعامل مع الأزمة، الفيديو متاح على موقع « دويتش فيله» ومثله على مواقع أخرى، وكيف يصل سعر الوقود إلى 2 يورو أو أربع دولات، مع ثبات الدخول.
والواقع أننى أشير إلى مثل هذه التقارير فى قنوات أجنبية، لأن هناك من يفضل الأجنبى عن المحلى، أو يستبعد أزمة عالمية ظاهرة، وهو يحلل أو يسعى لفهم الأمر، وأجزم أنه فى حالة تقديم مثل هذا التقرير محليا فسوف يرد البعض فورا بأنه تبرير أو محاولة لتبرير الغلاء، بل وقد يصف البعض هذا بأوصاف معروفة، وأشير لذلك لتأكيد أن تأثيرات ما بعد كورونا، أو الحرب فى أوكرانيا، تمتد إلى كل مكان، بما فيها أوروبا والدول المتقدمة، وأن أصحاب الدخول المحدودة يعانون بالفعل من موجة تضخم وغلاء صعبة، وأنهم مضطرون لاتخاذ إجراءات تقشفية، لحين مرور هذه الأوقات، وهذا النقاش ليس الهدف منه إقناع أحد أو تبرير شىء، فالجميع يتابعون مواقع التواصل والقنوات والموضوعات والآراء فى ظل عالم متصل ومتشابك، ولا نطرح هذا لهؤلاء الذين يمتلكون آراء مسبقة أو ردودا جاهزة أو ادعاءات بالفهم والمعرفة، لكن للناس الطبيعيين الذين يعرفون ويقرأون ويحاولون فهم ما يجرى، دون الوقوع فى فخ الآراء الحاسمة والنهائية.
وهناك فصيل من الناس يحب ترديد الجملة الشهيرة «فى أوروبا والدول المتقدمة»، أو يحلو لهم انتزاع تحليلات اقتصادية ينطلقون فيها من رؤية مسبقة وجاهزة تنطلق من «قلنا لكم»، على اعتبار أنهم أصحاب الفهم والحكمة، ويسارعون بالحديث عن أولويات، أهم من أن يكون لدينا طرق وكهرباء و400 ألف فدان إضافية وصوامع وحياة كريمة والقضاء على فيروس سى، وأن علينا أن تكون لدينا صناعة وزراعة، وكأن هذا كله يتم دون وجود طرق وقطارات ونقل وطاقة، وأن القطارات السريعة والطرق تضاعف من حركة السياحة وعوائدها وتخلق الآلاف من فرص العمل، ونتحدث عن أنفاق وأراض ومحطات تنقية مياه لزراعة 400 ألف فدان فى سيناء والتفكير فى الدلتا الجديدة أو التوسع فى الصوب الزراعية أو تبطين الترع، أو إعادة صياغة الريف فى «حياة كريمة» ليكون فى القرية مثل ما للمدينة من حياة حديثة، بعد عقود من التجاهل والإهمال لأكثر من نصف سكان مصر، كل هذه مجالات ضرورية وليست ترفا، للاقتصاد والمجتمع.
وبالتالى عندما نتحدث عن غلاء وتضخم عالمى، لا نهدف للمقارنة، ونعرف أن كل شعب وكل دولة لها ظروفها، وأننا لسنا دولة نفطية أو ثرية، وبالتالى علينا أن نسعى لمضاعفة التنمية والاستثمار وخلق فرص عمل، وتطوير التعليم والصحة، وهى أمور لم تكن على ما يرام وخضعت لتجاهل وإهمال على مدى عقود، وأصبحت هناك ضرورة لمواجهتها، فى ظل زيادة السكان أو تضاعفهم.
كل هذه التفاصيل للمناقشة، والتفاعل وعندما نقول إن العالم قرية صغيرة، وأن ما يجرى من حروب وأوبئة ينعكس فى العالم، وأن هذا لا ينفى أن التنمية والتحديث هى من مهام الدولة دائما وليست ترفا، بل ضرورة فى عالم متواصل ومتشابك ، وأصغر من قرية.