وقع «لويس التاسع» ملك فرنسا فى مرض شارف به إلى الموت، وعندما شفى منه قطع عهدا على نفسه بأن ينجز شيئا كبيرا، اعترفا منه بفضل الله عليه، فقرر تجهيز حملة صليبية لتنفيذ ما أسماه «تخليص الأراضى المقدسة وتحرير بيت المقدس»، وفقا للدكتور محمود سعيد عمران فى كتابه «تاريخ الحملات الصليبية»، مضيفا: كان لويس التاسع ملكا على فرنسا من 1226 إلى 1270، وكانت حملته هى السابعة عام 1248 فى مسلسل الحملات الصليبية على الشرق وأولها كان عام 1095.
كانت الحملات الصليبية فى جوهرها استعمارا استيطانيا كالاستعمار الصهيونى فى فلسطين، وجاءت إلى المنطقة حلا لأزمات سياسية فى بلادها، كما حدث فى «الحملة السابعة»، يذكر «عمران»: لعبت البابوية دورا فى هذه الحملة للتخلص من مضايقات الملوك والأمراء حتى تخلو الساحة بابتعاد لويس، الذى كان له موقف حازم نحو رجال الدين، ويذكر الدكتور قاسم عبده قاسم فى كتابه «ماهية الحروب الصليبية» أن لويس التاسع جاء لاحتلال مصر، وكان هناك سببا آخر مهما، يقوله: «لم تكن هذه الحملة لاسترداد بيت المقدس فقط، وإنما جاءت مواكبة لفكرة إقامة حلف مغولى/ صليبى ضد المسلمين، ولكن المشروع فشل، لأن المغول كانت لهم أحلامهم الخاصة بالسيادة على العالم، على الرغم من كثرة السفارات المتبادلة بين الجانبين».
يذكر«قاسم»: «فى مايو 1249 أقلعت سفن الحملة الصليبية تجاه الشواطئ المصرية، وفى 4 يونيو 1249 نزل الصليبيون قبالة دمياط، وأمامهم لويس يخوض المياه الضحلة، وهو يرفع سيفه ودرعه فوق رأسه، وانسحب المدافعون بسرعة ظنا منهم بموت سلطانهم المريض الملك الصالح نجم الدين أيوب، وفر السكان المذعورون، وهكذا سقطت دمياط دون قتال، وما إن تأكد الصليبيون من حقيقة النصر السهل، الذى سقط بين أيديهم حتى أخذوا يدعمون وجودهم فى المدينة الأسيرة».
يؤكد «قاسم» أن السلطان المريض استقبل أنباء سقوط المدينة، التى بذل جهدا مضنيا فى تحصينها بمزيج من الألم والمرارة، وأعدم عددا من الفرسان الهاربين، ونقل معسكره إلى مدينة المنصورة التى خرجت إلى الوجود قبل ثلاثين سنة فقط، ومن هناك بدأت حرب عصابات ساهم فيها المصريون جميعا، وكثرت أعداد الأسرى الصليبيين الذين تخطفتهم أيادى المجاهدين، وتعددت مواكب الأسرى فى شوارع القاهرة، يضيف «قاسم»: فى خضم هذه الأحداث، توفى السلطان الصالح نجم الدين أيوب فى 20 نوفمبر 1249، وأخفت زوجته شجرة الدر نبأ وفاته لكى لا تتأثر معنويات الجيش، وأرسلت لاستدعاء ابنه «توران شاه» من إمارته على حدود العراق.
اشتدت المقاومة المصرية ضد القوات الصليبية، يذكر «قاسم»: كانت القوات الصليبية تتقدم نحو المنصورة فى سرعة، ولكن الأمير «بيبرس البندقدارى» الذى صار فيما بعد السلطان الظاهر بيبرس كان قد نظم الدفاع عن المدينة بشكل جيد، وفى كتاب آخر للدكتور قاسم «عصر سلاطين المماليك» يتحدث تفصيلا عن دور بيبرس وخطته، قائلا: إنها قامت على تشييد عدة كمائن من الفرسان داخل المدينة، وبقاء الأهالى فى منازلهم دون حركة مع الاستعداد للانقضاض على فرسان العدو فى اللحظة المناسبة، ودخلت القوات الصليبية إلى المدينة فوجدوها صامتة، ولما تجولوا فى شوارعها ظنوا أن الحامية والأهالى فروا منها، وبينما هم يبحثون عن الغنائم، فتح عليهم فرسان المماليك وأهالى المنصورة والمتطوعون أبواب الجحيم من كل ناحية، فتبعثرت القوات الصليبية فى كل ثنايا المدينة، ووضع الأهالى المتاريس أمامها، وقذفوها بالقذائف المنزلية من فوق أسطح المنازل، وكان عدد القتلى كبيرا، من بينهم شقيق الملك «الكونت أرتوا» وعدد كبير من النبلاء، الذين نجوا ففروا على أقدامهم ليلقوا بأنفسهم فى النيل، بعد أن طاردهم الأهالى بالسهام والحراب والسيوف.
فى اليوم التالى للمعركة، عقد «فارس الدين أقطاى الصالحى»، القائد العام للجيوش المصرية، مجلس حرب عرض فيه معطفا قصيرا عليه شارة البيت الملكى الفرنسى، كان يرتديه شقيق لويس التاسع «أرتوا» الذى قتل، ظنا منه أنه معطف الملك نفسه، وأعلن أن مقتل الملك يستوجب مهاجمة الجيش الفرنجى بلا تردد، وبدأ هجوما جديدا تمكن الفرنج من صده، ليتكرر مرة أخرى حتى ساءت أحوال الفرنج، فطلب «لويس التاسع» الهدنة، وعرض تسليم مدينة دمياط التى احتلها من قبل مقابل تسليمه «بيت المقدس»، وقوبل طلبه بالرفض، وتجدد القتال ووقعت معركة رهيبة قرب فارسكور 5 إبريل 1250 قضى فيها «بيبرس» بجنوده على الجيش الصليبى تماما، وتم أسر لويس التاسع بين يومى 6 إبريل، مثل هذا اليوم، و7 إبريل 1250، فى قرية «منية عبدالله»، وتم نقله إلى دار «ابن لقمان القاضى» بالمنصورة.