رغم أنها أحداث قريبة جدا، عاصرها كثيرون وشهدوا عليها، إلا أن الدراما التى يقدمها «الاختيار 3»، جاءت لتُذكر بأحداث بالرغم من قربها لكنها تاهت وسط زحام الأحداث التى شهدناها على مدار السنوات العشرة الماضية، نحن أمام تنظيم سرى خرج إلى العلن ولديه جوع للسلطة، ورغبة فى تغيير هوية بلد عريق وعميق فى التاريخ مثل مصر، وفى حال نجح تنظيم الإخوان فى تغيير هوية مصر، كان التغيير أسهل فى أطراف مختلفة بالمنطقة، ربما يكون التنظيم وتوابعه وأشباهه من داعش أو القاعدة أو المتطرفين قد نجحوا فى تعديل صور دول من حولنا، بل واقتلاع جذور دول عريقة، وإدخالها فى الفتن والحروب الأهلية، خلف مزاعم التغيير، بينما هو محاولة لإعادة بناء المنطقة، وفق تصور متطرف ومتعصب، يستبعد كل من يختلف فى الدين أو المذهب، أو حتى الرأى، مع التصور المتطرف للعقائد والحياة، تلك الصورة المظلمة التى عاشها المصريون على مدار 29 شهرا تقريبا، ومنها عام كامل من الصراع والاقتتال، كان كله مقدمة لإعادة بناء دول فى حجم مصر، على طريقة الميليشيات، وأن يتم بناء جيوش وأجهزة أمن تتبع التنظيم، وولاؤها له ولمرشديه فى الداخل والخارج.
اللافت للنظر أن ما يقدمه «الاختيار 3»، هو واقع يعرفه من عاصره، وكل من شارك وشهد هذه المرحلة الصعبة يدرك أن الأمر كان مجرد مقدمة لما هو أصعب، تنظيم جائع وفاقد للتصور، يحمل رؤية متعصبة وطائفية، يرى أعضاؤه أنهم فوق الجميع لمجرد أنهم يمارسون السمع والطاعة، ويعلم شهود هذه المرحلة كيف أسفر أعضاء التنظيم عن وجوههم، وتخلوا عن خطاباتهم المعتدلة والتشاركية، بل وحتى من كانوا يقدمون أنفسهم كمنشقين ومتمردين على التنظيم أسفروا عن حقيقة أن كل من ينتمى للإخوان لا يتخلى بسهولة عن انتمائه، وهو ما شهدناه من مواقف أعضاء حزب الوسط من الإخوان، والذين روجوا لكونهم أكثر اعتدالا، وانضموا للتنظيم، ودافعوا عنه، وشاركوه كل خطواته فى تفكيك الدولة، ومعهم أعضاء التنظيم من قضاة الاستقلال، الذين تحولوا إلى أدوات للتنظيم فى الإطاحة بالقضاء واستقلاله، لصالح التنظيم، بينما كان رئيسهم مجرد لسان ينطق بما يمليه المرشد بالداخل، ومرشدوه بالخارج.
كل حلقة من حلقات «الاختيار 3»، تقدم واقعة وحدثا مفصليا فى الصراع الذى أشعله التنظيم المحلى والدولى للإخوان، كيف أخرجوا ووظفوا الإرهابيين، وأطلقوا المتطرفين وأعضاء التنظيم لقتل وتهديد من يختلف معهم، وكيف واتتهم الجرأة ليحاصروا المحكمة الدستورية العليا، ويحولوا جدران المحكمة الأعلى إلى منشر لملابسهم، فى مشهد يمثل قمة الاستقواء والاستهانة وتوظيف أعضاء السمع والطاعة وتحريكهم مثلما يجرى فى دول من حولنا حولها المرتزقة إلى تراب وهديم.
وأمام الاتحادية أطلقوا عناصر متطرفة ومسلحة لينفذوا تعليمات المرشد ونائبه، وقيادات التنظيم فى القتل والترويع والقبض والتحقيق مع أبرياء أو مسالمين، وكلها مشاهد لا تزال محفوظة ومتاحة فى أرشيف يوتيوب، ومواقع التواصل، كل هذا مع تحريك حلفائهم وأنصارهم فى تنفيذ عمليات اغتيال وتفجير وقتل، ظهر بعد إطاحة الشعب بهم، فى صورة عمليات إرهابية تصدى لها المصريون شعبا وجيشا وشرطة وأجهزة أمن ومعلومات، كان العمل - فى جزئيه السابقين - توثيقا لمراحل صعبة وثرية بالتفاصيل، لكن «الاختيار 3» بالفعل عبر الكثير من الحواجز، ونجح فى تقديم عمل يجمع ببراعة بين التوثيق والدراما، بل إن التوثيق نفسه يمثل أعلى درجاته ونقاطه الدرامية، وبشكل يجمع بين الكشف والتشويق، بالنسبة للمشاهد الطبيعى الذى يستهدف المتعة والمعرفة فى وقت واحد.
كل هذا يرصده مسلسل الاختيار موثقا، مع الأحداث المتوازية والمتقاطعة، ليرسم تصورا لسيناريوهات تحققت من حولنا فى دول قريبة، بسبب غياب الانتباه والوعى، وهو ما كان يحدث « لو» استمر التنظيم عاما آخر أو شهورا، فقد شهدنا قتلا على الهوية، وتفجيرات ومطاردة للأقباط والشيعة، مع مليونيات الحناجر المتطرفة فى ميادين القاهرة والجيزة، وهى أحداث لا تزال فى ذاكرة من شاركوا فيها ويدركون حجم التضحيات التى قدمها المصريون وأبطالهم المعلنون والمجهولون، ليوقفوا تدهورا كاد يقود مصر إلى مصائر بلدان أخرى تاهت فى الضياع.