أصبح حلم الحصول على قطرة ماء، شريكا لهموم أخرى يعانيها سكان مناطق شرق العريش والشيخ زويد ورفح، بعد أن تعطلت الخزانات الرئيسية وشبكات نقل المياه، فضلا عن توقف وصول فناطيس المياه المنقولة لهم من المدن الأخرى، فلم يعد بمقدور الأهالى مواجهة العطش، حيث يكتفى العديد منهم بقطرات معدودة فى شرب المياه الصالحة للاستخدام نظرًا لندرتها وعدم قدرتهم على الحصول عليها.
شاب يروى معاناة سكان قرية "الظهير" للوصول لقطرة ماء
"هنا لقطرة الماء ثمنها"، قالها شاب بدوى من سكان قرية "الظهير" ـ تقع على بعد نحو 7 كم جنوب مدينة الشيخ زويد ـ وهو يشير لإبريق ماء من الفخار مغروسا فى رمال تحت عريشة مجلس بدوى، لافتًا أنه قادم للتو من رحلة بحث عن الماء، بدأها من قريته مستقلا سيارة نصف نقل بها 20 جركن ماء ذهب بها إلى محطة الضخ بالمدينة وعاد ظافرًا بملئها بعد معاناة طويلة فى رحلة البحث عن مياه شرب نظيفة، اضطرته إلى أن يسلك طرقًا رملية صعبة.
قال الشاب "سالم محمد" "كنا قبل سنوات فى مناطقنا لا نجد صعوبة فى الحصول على الماء، فبجوار كل منزل خزان ماء أسمنتى تحت الأرض يسمى "هرابة"، يتم ملئه بفناطيس مياه تنقل الماء العذب من ساحل شمال سيناء وعلى كل خزان أرضى له مواتير ترفع المياه للخزانات العليا بالمنازل، ولكن توقف نقل الماء نظرًا للتوترات الأمنية، وأصبح علينا تدبير البدائل فالماء لا يمكن الاستغناء عنه".
ما قاله "سالم" أجمع عليه الأهالى سكان مناطق محيط مدينة رفح وجنوبها، وجنوب وغرب مركز الشيخ زويد، وشرق العريش، وقرى الخط الحدودى مع الأراضى الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، ومنها قرى "الجورة"، و"ابوالعراج"، و"القريعة"، و"الزوراعة"، و"الخروبة"، و"الشلاق"،" العكور "، "الطويل" والوفاق"، والبرث "، و"الكيلو 21" وهى قرى متناثرة منازلها متباعدة لكن جميعها يعانى من نقص المياه.
معاناة الأهالى مع توصيل المياه لمنازلهم
أكد الأهالى أن خدمة توصيل المياه لهم كانت قبل 5 سنوات تتم بكل سهولة بواسطة فناطيس حكومية توفرها مجالس المدن وشركة المياه، ويقوم المواطن بتسجيل طلبه فى الوحدة القروية التابع لها محل سكنه، بمقابل مبلغ مالى يتراوح ما بين 10 إلى 15 جنيها، كما يوفر بعض الأهالى الخدمة بسياراتهم الخاصة التجارية بمبالغ تتراوح مابين 30 إلى 50 جنيها، ويعتمد الأهالى كليا على نقل المياه من المدينة، رغم وجود شبكات مياه أنشأتها الحكومة منذ سنوات إلا أنها تهالكت قبل أن تعمل، لكن مع قلة عدد الفناطيس التى توفرها المجالس المحلية أصبح من الضرورى اللجوء إلى سيارات القطاع الخاص التى وصلت لـ 500 جنيه والتى تأتى إليهم كل فترة طويلة.
مسافات بعيدة
مشاهد الحصول على "الماء" فى هذه المناطق متعددة وجميعها تعكس أزمة ساكنيها، البعض يحضر الماء على عربات كارو فى جراكن من مسافات بعيدة من آبار بعض المقتدرين الذين يقومون بحفرها، وهى آبار تخرج منها مياه مالحة غير صالحة للشرب ويستخدمها الأهالى فى الغسيل، وآخرون يجمعون الجراكن فى سيارات نصف نقل لملئها من محطة المياه بمدينة الشيخ زويد وتبعد المحطة عن كل قرية بحسب موقعها، فيما يعتمد البعض على المياه الجوفية التى سببتها مياه الأمطار العذبة خلال موسم الشتاء الماضى، وأصبح هؤلاء يحتفظون بهذه المياه وكأنها ثروة يخرجون منها القليل للحاجة وحاجة من يطرق أبوابهم من جيرانهم.
وقال أحد الأهالى "على سليمان" :إنه الآن لا يشعر بأزمة المياه لكنه قلق من مرحلة ما بعد نضوب خزانه الذى استطاع أن يملأه بماء المطر أثناء سقوطه وتحويله للخزان وهو ما أنقذه من معاناة أزمة الحصول على الماء حتى الآن".
الأهالى يشكون العطش ومعاناتهم للحصول على المياه
لم تخفِ "أم ياسر" ضيقها من نقص الماء فى منزلها وهى تشير لعدد 4 جراكن مياه بلاستيكية تضعها تحت ظل شجرة زيتون أمام بيتها، قائلة "3 منها بها مياه مالحة استخدمها للغسيل وفى حدود ضيقة، والجركن الرابع به مياه حلوة نشرب منه قطرات معدودة كل يوم".
وقالت "هكذا نوظف كل قطرة ماء ولا نعرف مطلقا رفاهية المياه فكل رشفة منها وراءها رحلة عذاب، يقضيها زوجى لإحضارها".
وأضافت السيدة أن أبناءها يستحمون مرة واحدة كل أسبوع، وأن غسيل ملابسهم يتم على فترات متباعدة، مشيرة إلى أنهم اضطروا لبيع 5 رؤوس أغنام كانوا يملكونها لشراء ما يحتاجون إليه من المياه.
معاناة الأهالى مع نقل المياه
فيما أكد "ر.ع" أن الأهالى لا يمكنهم الاستغناء عن خدماتهم، خصوصًا أن مشروعات شبكات المياه جميعها فشل منذ 10 سنوات، وبدوره أكد المهندس "ياسر العمارى" رئيس المتابعة بشركة المياه بشمال سيناء، أنه توقف عمل سيارات الشركة فى قرى الشيخ زويد ورفح منذ أكثر من عام ونصف وأن 2 سيارة وأخرى تريلا تعمل داخل حدود مدينة الشيخ زويد ولا تخرج للقرى، لافتا أن الوضع الأمنى أحيانًا يؤثر على عملية نقل المياه.
وعن البدائل المتاحة لتوفير الخدمة، أوضح أن ذلك من خلال حفر آبار عميقة بكل منطقة وربطها بشبكات ومحطات تحلية، وهى مشروعات عملاقة تحتاج للاستقرار، لافتا أنه تم إسناد عملية حفر 14 بئرا داخل المدينة التى تعتبر آمنة لأحد المقاولين.
وأضاف توجد مشروعات جاهزة للعمل على الأرض لكنها متوقفة الآن من بينها توفير فناطيس مياه، وتوسعة محطة تحلية المياه بـ"السكادره" لتصبح الطاقة التصميمية 10 آلاف متر مكعب باليوم الواحد بدلا من 5 آلاف، وإنشاء مأخذ مائى من البحر، والتوسع فى مشروعات التحلية لمياه الآبار، وعمليات الإحلال والتجديد للقائم من الآبار والمحطات والسيارات المعطلة.
وأشار إلى أن الأهالى فى تلك المناطق بالفعل يعانون ويستشعر الجميع معاناتهم، وهم يوفرون بدائل وصول الفناطيس لهم بإحضار جراكن فى سيارات نصف نقل وعلى عربات كارو وملئها من محطة مياه الشيخ زويد.
اللجوء لحفر الآبار
قال "الدكتور خالد زايد"، نائب مدير جمعية الجورة لتنمية المجتمع جنوب الشيخ زويد، إنه يجب السرعة فى توفير بدائل للأهالى والمتاح هو حفر آبار توفر المياه من عمق 100 متر وتكلفة البئر الواحد تصل لنحو 35 ألف جنيه، ومطلوب تضافر جهود المسئولين فى هذا الجانب، مؤكدًا أنه من السهل أن يتم ذلك بمعرفة الأهالى وتحت مسئوليتهم فى الأماكن والتجمعات الحيوية مطالبًا الجمعيات والمؤسسات الأهلية بمساعدة الأهالى والاشتراك فى حفر الآبار.