من ميزات التوثيق الدرامى فى الاختيار 3، الربط بين الأحداث والخيوط بالشكل الذى يفسر كثيرا مما جرى، خاصة الأحداث التى اتسمت بالغموض، وفى نفس الوقت يقدم تصورا واضحا للأوضاع فى مصر، فى حال استمر حكم تنظيم الإخوان لعام آخر أو لفترة أطول، وكيف كان يمكن أن تنشق الدولة وتتشرذم وتدخل فى حرب أهلية يصعب الخروج منها قبل عقود، وبدا لدى تنظيم الإخوان أنهم يجب أن يسعوا لتفكيك الدولة والمجتمع وإعادة تركيبهم على مقاس التنظيم، بما يسهل لهم إعادة صياغة الصورة وانتزاع أجزاء منها وإضافة أخرى، حتى يسهل عليهم التحكم وبسط النفوذ.
كان تصور التنظيم ولا يزال هو السعى لتوظيف واستعمال كل الأحداث والتيارات ليتمكنوا فإذا تم هذا يمكنهم أن يستغنوا عن السلفيين أو الحلفاء السذج من التيارات المدنية التى ركبت خلف التنظيم، وتحركت بدرجة كبيرة من فقدان الوعى، وخطأ الحسابات.
نحن أمام أحداث موثقة تقول إن نائب المرشد كان يسعى للقفز الشامل على السلطة ليس بهدف امتلاك سلطة تحكم، وإنما تنظيم يحكم ويتحكم، ومن خلال الخطة استخدم المتطرفين بإخراجهم من السجون وتعيينهم فى مناصب عليا، ونشر أعضاء الإخوان فى الصفوف الثانية والثالثة تمهيدا للقفز الشامل، وبالطبع كان تنفيذ هذا السيناريو يتطلب توظيف إرهابيين بعد إطلاقهم، لتشكيل ميليشيات تقوم بدور كبير من الترهيب والرعب، حتى يمكن للجماعة أن تتقدم فى حمايتهم، وراهن «الشاطر» على أنه يمكن تشكيل ميليشيات على طريقة الحرس الثورى للتخلص من أى أصوات معارضة، وهنا المعارضة ليست بالمفهوم السياسى، لكن كل من يرفض تمكين التنظيم يعتبر خصما تجب إزاحته.
والواقع أنه حسب ما يطرحه «الاختيار 3» فإن تنظيم الإخوان بدا واثقا من القدرة على بسط النفوذ والسيطرة، وهذه الثقة المفرطة وصلت إلى حد الغرور، ولم يلتفت التنظيم إلى حجم الرفض ولمشروع بدا منذ اللحظة الأولى خليطا من التجارب المتطرفة، التى تتنكر للوطنية والهوية، وتسعى لفرض تصور وحيد للدين يقوم على خلطة أفكار غير مترابطة، وتقوم على خطب ونصائح وإنشاء لفظى، لا يحمل أى إرادة، غير إرادة تمكين التنظيم وربطه بدوائر الفروع فى الدول المجاورة التى تصور التنظيم أنها جاهزة، وبلغ الغرور مداه عندما تم تعيين وزراء يخلطون بين مراكز الشباب وتدريب الميليشيات، أو محافظ متورط فى تنفيذ وتخطيط عمليات إرهابية.
الدراما التوثيقية تقدم حقيقة التنظيم، حيث يبدو الإخوان أحيانا أذكياء، وخبثاء، يحاولون استغلال كل الأدوات والتيارات لصالحهم، لكن الغرور يدفعهم إلى تجاهل الردود والأفعال المضادة، فيتمادون فى تصرفات تضاعف من الاستفزاز، ومن حيث يمنحون الحرية لحلفائهم من المتطرفين فهم يسعون لحصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج وباقى المؤسسات التى تبدى ممانعة لسلوك التنظيم.
دراما التوثيق تؤكد افتراضات أو شهادات ظلت مجالا للتشكيك، مثل سعى التنظيم للسيطرة، وفرض مكتب الإرشاد لرأيه وتحويل الرئيس إلى موظف لتنفيذ ما يملى عليه، ثم أنه كان يفعل ذلك باقتناع أن التنظيم والجماعة فوق الجميع، مع سعى لتفكيك المؤسسات العسكرية والأمنية واستبدالها بميليشيات، وكل هذا يتم علنا وبتوجيه من المرشد ونائبه الذى احتل مساحة واسعة داخل السلطة، وكان يدفع للتحالف مع المتطرفين والإرهابيين وتوظيفهم، مع استعمال تنظيمات أخرى مثل حازمون أو أمثالهم من ميليشيات تدعم توجه الجماعة وتهدد خصومها.. وكيف كان التنظيم يوظف المتطرفين الذين تم الإفراج عنهم بتعمد لاستخدامهم فى تشكيل ميليشيات وخلايا لتنفيذ مهام لصالح الجماعة، ولعل هذا التحالف ظهر بعد إطاحة الشعب بالتنظيم.
بعض التسجيلات والشهادات الحية لقيادات التنظيم والعلاقة بين مرشد الإخوان ونائبه والدكتور محمد مرسى، تقدم نموذجا نجح فى بعض التجارب العربية وانتهى لصدام حتمى، بفضل خلطة الغرور والخبث والغباء، التى تقود إلى فوضى أو صدام محتوم، وهو ما عجز التنظيم عن تحقيقه، ويواصل الدفاع عنه وترويجه، وتظهر نتائجه فى كل الدول التى عانت من فيروس التنظيم.