تمكنت المتاعب الصحية من محمد على باشا «ظهرت عليه علامات الهرم وضعفت قواه الجسمية والعقلية»، حسبما يذكر محمد فريد بك، فى كتابه «البهجة التوفيقية فى تاريخ مؤسس العائلة الخديوية»، مضيفا: «أشار عليه الأطباء بالسفر خارج القطر لترويج النفس ولاستراحته من أتعاب الإدارة، فأذعن لمشورتهم وسافر من الإسكندرية فى أوائل فبراير 1848 قاصدا مالطة»، قبل ذلك كان ابنه إبراهيم باشا يعانى أيضا من المرض، يذكر «فريد»: «اشتد عليه مرض الإسهال «الدوسنتاريا» فأمره الأطباء بالسفر إلى مالطة، ومنها إلى شواطئ إيطاليا الشهيرة بجودة الهواء، فسافر فى 9 أكتوبر 1847».
كان «نوبار باشا» فى معية «إبراهيم باشا» سكرتيرا له بأمر من محمد على، ورافقه فى رحلته العلاجية، وكان شاهدا على عودة الاثنين إلى مصر، والأحداث التى توالت حول ولاية «إبراهيم» للسلطة فى عهد والده المريض، يذكر «نوبار» فى مذكراته الصادرة عن «دار الشروق - القاهرة»: «كانت نظرات إبراهيم لوالده كلها قلق وحيرة، فلم يكن من الممكن أن أقول: إن محمد على فقد عقله تماما لأنه فى لحظات ما كان يدرك تماما الحالة التى هو عليها، ويراقب نفسه، فما أن يشعر بأنه سوف يدخل فى نوبة هذيان أو فقدان العقل، إلا ويختلى بنفسه فى عزلة تامة، محاولا بكل قواه أن يستعيد تسلسل أفكاره، سواء كان يستطيع هذا أم لا، إلا أن هيئته ومظهره لم يتغيرا».
يضيف «نوبار» فى وصفه لحالة محمد على، قائلا: «كان على ما هو عليه منذ أن عرفته محتفظا بهيبته الكبيرة، وبهذه القدرة الفائقة على أن يظل أنيقا ونظيفا إلى حد التبلور داخل هذه الأناقة والنظافة، كانت عيناه دائما متيقظتين ونشطتين، دائما يجلس وركبتاه نصف مثنيتين ودائما خنجره فى متناول يده، كل التناقض بين هذا وبين حال ابنه إبراهيم الواقف أمامه محنى الرأس، يداه مضمومتان إلى صدره دليل الطاعة والاحترام، يرتدى معطفا قبيحا فى انتظار أمر أو كلمة من والده وهو ينظر إليه خلسة متسائلا إن كان مرض والده هذا حقيقيا أم مصطنعا؟».
بعد العودة إلى القاهرة فى إبريل 1848، بدأت المشكلات والمصاعب، يذكر «نوبار»: «لم يكن فى استطاعتنا إعلان جنون محمد على، ولا الاعتراف بسلامة قواه العقلية، لذلك قررنا عدم تغيير أى شىء فى سير الأمور من الناحية الشكلية، ولجأ النظار (الوزراء) ورؤساء الإدارات فقط إلى إبراهيم لتلقى الأوامر أوعرض مقترحاتهم عليه، وطُرحت فكرة تكوين مجلس وصاية برئاسة إبراهيم، إلا أن إبراهيم رفضها».
لم يدم تردد أورفض إبراهيم طويلا، يذكر جلبرت سيونيه، فى كتابه «الفرعون الأخير - محمد على»، ترجمة، عبد السلام المودنى: «لم يدم تردد إبراهيم طويلا، ما دام المجلس شرع فى تأدية وظائفه منذ 15 أبريل، مثل هذا اليوم، 1848، إذا كانت الأوامر تصدر باسم محمد على، لكن إبراهيم هو من أصبح يحكم»، يعيد «نوبار» تردد إبراهيم أو رفضه لمجلس الوصاية إلى أنه أراد أن تكون له السلطة الفعلية، كما كان يخشى من فكرة شفاء والده الذى سيجعله يدفع حياته ثمنا لكل عمل فعله لتدعيم سلطته رسميا، لأن محمد على كان سيعتبره اغتصابا للسلطة»، يضيف: «فكر إبراهيم فوجد أن تكوين مجلس وصاية يستلزم تأييد وموافقة الباب العالى «العثمانى» كى يصبح شرعيا، ويعترف به ممثلو القوى العظمى فى مصر، كما يمكنه أيضا من تقلد السلطة دون النظر إلى مجلس وصاية أوغيره».
يذكر «نوبار» أن المشكلة أمام إبراهيم كانت فى العثور على حجة للسفر، يضيف: «فى يوم خرج من قصر محرم بك، حيث يقيم عند شقيقته نازلى، ووضع أمامى منديله الملوث بالدماء، ولم يكن يريد استدعاء الأطباء، ولكننى بطريقة أو بأخرى أرغمته على استدعاء كلوت بك، ووجد الأخير أن الحالة عضال، وصرح لى بصفة شخصية وسرية بأنه يعتقد بأنها إصابة قوية فى الرئة، وظل هذا الأمر سرا، وتوقف النزيف بفضل الدواء الفعال الذى وصفه كلوت بك».
يكشف «نوبار»، أنه فى أثناء هذه الأحداث انتشرت الكوليرا بشكل مفاجئ فى الإسكندرية، فوجدها إبراهيم الحجة المثلى التى يبحث عنها للذهاب إلى الآستانة، فأصدر أوامره بتجهيز السفينة الحربية الوحيدة الباقية من الأسطول الذى كونه محمد على، وسافر، يروى «نوبار» أنه فى الآستانة فوجئ بأن الباب العالى متردد فى منحه الولاية فى حياة أبيه، فعرضوا عليه منصب الحاكم العام فى مصر دون ولاية لكنه رفض، وجاء عراف القصر ليخرج الجميع من هذا المأزق، حيث أعلن أنه بعد استشارة الكواكب كان الرد أن إبراهيم سيموت قبل مرور ستة أشهر، وكانت هذه النبوءة تتفق مع تشخيص الطبيب النمساوى المكلف برعايته، ومن تم منحه الولاية فى 13 يونيو 1848، ومات إبراهيم فى 10 نوفمبر 1848 فى حياة والده.