انطلقت حركة التحرير الوطنى الفلسطينى «فتح» فى 1 يناير 1965، بقيادة ياسر عرفات، الذى لم يكن معروفا بهذا الاسم، وإنما باسمه الحركى، أبوعمار، وفى 16 إبريل، مثل هذا اليوم، 1968، قررت الحركة رفع السرية عن اسمه الحقيقى، حسبما تذكر «الأهرام»، فى 17 إبريل 1968.
تقول «الأهرام» فى تقريرها بالصفحة الأولى، إن قيادة حركة التحرير الفلسطينى، أعلنت أمس 16 إبريل 1968، أنها اختارت ياسر عرفات متحدثا رسميا باسم الحركة، وممثلا لها على كل المستويات الرسمية والشعبية والتنظيمية والمالية والإعلامية، تضيف: اعتبرت الدوائر العربية هذا الإعلان بمثابة قرار من الحركة، التى تعرف باسم منظمة
«فتح» بالخروج إلى دائرة الضوء، وكشف اسم زعيمها الذى لم يكن معروفا من قبل إلا باسمه الحركى «أبوعمار» مثل بقية قادة المنظمة، التى عملت منذ 1965، فى نطاق من السرية والكتمان الشديدين.
تقدم «الأهرام» نبذة مختصرة عن «عرفات» قائلة، إنه أنشأ منظمة فتح فى أوائل 1965، وأنشأ جناحها العسكرى المعروف باسم قوات العاصفة، التى قاد عملياتها بنفسه داخل الأراضى المغتصبة، كما سبق له أن اشترك فى معركة «القنال» عام 1956، ضمن قوات المقاومة الشعبية، وهو من أبناء مدينة القدس، وحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة ثم تلقى تدريبه فيما بعد عسكريا فى الكلية الحربية المصرية، تضيف «الأهرام»: قائد أكبر منظمات المقاومة العربية أعزب فى الثامنة والثلاثين من عمره، يؤثر العمل على الكلام، ويبتعد عن دائرة الضوء كلما أمكنه ذلك، وهو فى حركة دائمة يتنقل بسرعة خاطفة بين مركزه فى الجبهة وبين بعض العواصم العربية. تنقل الأهرام تصريحات له فور الإعلان عن اسمه قال فيها، إن كشف اسمه لا يستهدف إصدار التصريحات، لأن المعركة تحتاج إلى العمل والدم.
جاءت هذه الخطوة بعد شهور قليلة من أول لقاء بين جمال عبدالناصر بمنزله بمنشية البكرى، وقادة «فتح» الثلاث، «ياسر عرفات، وصلاح خلف، وفاروق قدومى» فى أكتوبر 1967، وفقا لمحمد حسنين هيكل، الذى حاضر اللقاء، وكان مهندسه، يذكر فى الجزء الثالث من كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل - سلام الأوهام»: وعد الرئيس جمال عبدالناصر قادة حركة فتح الفلسطينية بتقديم كل المساعدات الممكنة فى مقابل مطلب واحد وهو «أن تنطلق ولو رصاصة واحدة كل يوم فى الأرض المحتلة، بحيث يسمع صوتها، ويذيع خبرها، ويكون من ذلك رمزا لوجود مقاومة فلسطينية فى الأرض المحتلة».
يتذكر صلاح خلف «أبوإياد» فى مذكراته «فلسطينى بلا هوية»: «بعد أن أصغى عبدالناصر إلينا باهتمام كبير، فضت هذه المباحثات التى دامت أكثر من 5 ساعات إلى نتائج ملموسة، فقد عبر لنا بأنه سيقدم الأسلحة ويؤمن تدريب الفدائيين، ثم أضاف أنه ليس لدى مصر الوسائل لتزويدنا بمعونة مالية، وأوصانا بأن نعمد إلى الملك فيصل «ملك السعودية» فى هذا الموضوع».
حدث ذلك قبل أن يتم الكشف عن اسم ياسر عرفات، وبعد الكشف عنه، ضمه عبدالناصر إلى الوفد المرافق له فى زيارة موسكو، 4 يوليو 1968. كان الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية ضمن هذا الوفد، ويؤكد فى مذكراته حرب الثلاث سنوات 1967-1970: «صاحب الوفد المصرى، ياسر عرفات الذى قدمه الرئيس عبدالناصر إلى القيادة السوفيتية لأول مرة»، ويذكر محمود رياض وزير الخارجية، فى الجزء الأول من مذكراته «البحث عن السلام.. والصراع فى الشرق الأوسط»: «فى تلك الزيارة، اصطحب عبدالناصر، ياسر عرفات، وقدمه إلى القادة السوفيت لأول مرة، الذين وعدوه بمساندته وتقديم العون له»، يؤكد هيكل فى كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»: كان ضروريا فى هذه المرحلة تقديم منظمة التحرير الفلسطينية إلى المجتمع الدولى، لكى تكتسب شرعية قبول الرأى العام العالمى، وكان لا بد أن تمارس هذه العملية بطريقة محسوبة، وجرى إلحاق «عرفات» بالوفد المصرى، تحت وصف «مستشار للوفد» بجواز سفر مصرى لمهمة باسم «عبدالفتاح إبراهيم»، وكان الهدف من الاسم المستعار، ألا تنتبه إسرائيل إلى عملية إقامة اتصال بين منظمة التحرير والاتحاد السوفيتى وقيادته.
غير أن «يفجينى بريماكوف»، مراسل جريدة البرافدا السوفيتية فى القاهرة وقتئذ، ورئيس الوزراء الروسى فيما بعد، يذكر فى مذكراته «الكواليس السرية للشرق الأوسط» ترجمة «نبيل رشوان»: اعتبر عرفات عضوا فى الوفد المصرى بجواز سفر دبلوماسى باسم «محسن أمين»، وقدمه ناصر للقادة السوفيت بوضعه الحقيقى.
استجابت القيادة السوفيتية لطلب عبدالناصر بتقديم المساعدات لعرفات. يؤكد هيكل أن قيمتها وصلت إلى نصف مليون روبل، وشملت أسلحة منها، مدافع مضادة للطائرات، وأكد السفير السوفيتى فينوجرادوف لهيكل، أنه لولا تدخل عبدالناصر لما فكرت القيادة السوفيتية فى التعامل مع عرفات وزملائه، يؤكد الفريق فوزى، أن صفقة هذه الأسلحة قُدرت بنصف المليون دولار.