بمناسبة مسلسل «راجعين ياهوى»، وعودة اسم أسامة أنور عكاشة، نحن أمام عمل كوميدى بالأساس، بالرغم مما يتضمنه من صراع بين عائلتى الشقيقين أمين وفطين، وأيضا الصراع أو السباق الذى يدور بعد عودة بليغ «خالد النبوى» بعد خسارة أمواله، مطاردا من رجل أعمال أقرضه مبلغا ضخما خسره، بالطبع تخفى أى تفاصيل عن عمل بليغ، أو نوعية العمل الذى يخسر فيه كل هذه الملايين، لكنه مبرر درامى ليعود وتبدأ الأحداث فى مصر، العمل نفسه مأخوذ من مسلسل إذاعى عرض فى حياة مؤلفه، وهو من نوعية الأعمال التى أنتجها أسامة عكاشة فى استراحاته بين أعمال ملحمية أو أفلام كبيرة، وهذه الأعمال معروفة، وكل منها يحمل خيوطا درامية معقدة، لكنها فى الأغلب كانت كلها تبحث فى الهوية والتداخلات العرقية والاجتماعية بين الطبقات، خاصة الطبقة الوسطى، والطبقة الأصغر ثم الطبقات الأرستقراطية، وظهر هذا فى أعمال ضخمة مثل ليالى الحلمية، وزيزينيا، والراية البيضا، وأرابيسك، والمصراوية، وغيرها.
لكن عمل مثل «راجعين ياهوى» بالرغم من كونه ليس عملا من الأعمال المتداخلة، لكن واضح أن السيناريست بذل جهدا فى العمل، بالشكل الذى يمنح العمل صراعا وتفاصيل أكثر من تلك التى تضمنها العمل الإذاعى، وبالتالى يذكر للكاتب محمد سليمان عبدالمالك الذى حاول الاحتفاظ بروح نص أسامة أنور عكاشة، لكن من خلال إضافة تفاصيل، فضلا عن أن الحوار فى العمل، هو للسيناريست، وإن كان حاول فعلا أن يستدعى روح أسامة فى الحوار، إحدى نقاط القوة والتميز فى أعمال أسامة.
بجانب السيناريو، فقد كان أداء الممثلين موفقا، ومنح العمل الكثير من ملامحه، خاصة خالد النبوى، الذى يقدم دور «بليغ» ببراعة، وخفة تتناسب مع الدور، وطبعا كل من وفاء عامر فى دور السيدة الثرية ذات الأصول الشعبية، وعلى العكس تقدم أنوشكا دور الأرستقراطية الثرية، والاثنتان تتصارعان وتتنافسان، مع دور مميز للفنان القدير أحمد بدير، الذى يقدم أحد أدواره التى يجمع فيها بين الكوميديا والدراما، ونفس الأمر مع نور، وهنا شيحة، ويضم العمل عددا من الفنانين يساهمون بأدائهم فى ملء الأحداث التى تمتد لثلاثين حلقة، وتتطلب الكثير من التفاصيل والجهد لتحتفظ بالمشاهد، والأحداث كلها تدور داخل عائلة أبوالهنا، لكن خارج هذا الصراع، ومحاولات «بليغ» جمع العائلة وإزالة التوترات والصراعات، لكن هناك ممثلون آخرون أصدقاء «بليغ» أو عالم الجمالية، يملأون الكثير من أوقات العمل.
مسلسل «راجعين ياهوى» يعيد اسم أسامة أنور عكاشة، كأحد أهم كتاب الدراما خلال نصف القرن الأخير، لكنها تفتح الباب أيضا لطرح قضية الدراما الاجتماعية، التى تخلو من الأكشن المستورد، أو الصراعات المبالغ فيها، إلى التعامل مع المطالب البشرية بتناقضاتها وتفاصيلها، وهو أمر برع فيه أسامة أنور عكاشة، روائى الدراما التليفزيونية بامتياز، والذى نجح فى تقديم خلطة المتعة والتسلية والصراع الإنسانى والاجتماعى والمشاعر الجياشة، وطرح فى أعماله دائما أسئلة الهوية والتداخلات الاجتماعية بل وأيضا انعكاسات الصراعات السياسية على المجتمع وكيف كانت كل خطوة فى السياسة تغير شيئا فى المجتمع ونفوس البشر، وهو أمر ينطبق أيضا على أعمال الراحل المبدع وحيد حامد، والذى برع فى نوعية من الدراما حملت بصمته.
ونقول هذا أملا فى البحث عن طريقة لإعادة إحياء هذه النوعية من الدراما التى تندرج تحت الرواية التليفزيونية، وهو نوع مطلوب فى ظل اتساع منصات البث والتمويل لأعمال يمكن أن تمثل خطوات مهمة فى جمع التسلية والمتعة وقضايا المجتمع والهوية، وهو أمر يعيد التذكير به اسم أسامة أنور عكاشة.