اكتمل الوفد المصرى، بقيادة سعد زغلول، فى باريس، للمشاركة فى «مؤتمر السلام»، لعرض القضية المصرية أمامه.. غادر أعضاء موجودون بالقاهرة فى 11 إبريل 1919، إلى مالطة، حيث انضموا إلى سعد باشا وزملائه الثلاثة وأبحروا جميعًا إلى باريس، حسبما يذكر «عبدالرحمن فهمى» فى الجزء الأول من مذكراته «يوميات مصر السياسية»، مضيفا «أن الوفد الذى ذهب إلى أوروبا تكون من «سعد باشا زغلول، على شعراوى باشا، إسماعيل صدقى باشا، حمد الباسل باشا، محمد محمود باشا، عبدالعزيز فهمى بك، أحمد لطفى السيد بك، محمد على بك، عبداللطيف المكباتى بك، سينوت بك حنا، جورج خياط بك، الدكتور حافظ عفيفى بك، مصطفى النحاس بك، حسين واصف باشا، محمود أبوالنصر بك».
غير أن جماعة مصرية أخرى سعت إلى السفر وأجيب لهم، ويصفهم «عبدالرحمن فهمى» الذى كان قائدا للتنظيم السرى لثورة 1919 بقوله: «مفكرون معرفون بوطنيتهم»، وهم أحمد لطفى بك المحامى، الدكتور إسماعيل صدقى بك، محمد حافظ رمضان بك المحامى، عبداللطيف الصوفانى بك عضو الجمعية التشريعية عن مديرية البحيرة، محمد كمال أبوجازية بك عضو الجمعية التشريعية عن مديرية الغربية، أحمد وجدى المحامى، مصطفى الشوربجى المحامى، محمد زكى على بك المحامى، أحمد وفيق المحامى، محمد فؤاد حمدى المحامى».
يؤكد «فهمى» أنه كان فى نية هؤلاء السفر فى 25 إبريل، مثل هذا اليوم، 1919، ويضيف: «كانوا جميعًا من أعضاء الحزب الوطنى الذين لا يضمرون الخير للوفد، أو هم على الأقل يشكون فى وطنية بعض أعضائه».. يكشف أن «ذاتا من الذوات الكبيرة «الأمير عمر طوسون»، أوعزت إلى الحزب الوطنى بالسفر لمراقبة أعمال الوفد المصرى خيفة تورطه فى قبول شىء يخالف مصلحة البلاد، وأنه وضع تحت تصرفهم عشرة آلاف جنيه».
رأى فهمى، أن وجود وفدين من بلد واحد أمام مؤتمر السلام يشعر بوجود انقسام مما يضر بالقضية المصرية ضررا بليغا، يكشف فهمى أنه لجأ إلى استخدام وسائله لإفساد سفر «وفد الحزب الوطنى»، ويعترف: «أرسلت من يلزم لإقناع رجال الحزب الوطنى بسوء المصير إذا نفذوا فكرتهم هذه فلم ينتصحوا، فأرسلت إليهم أناسا آخرين لإقناعهم ورجائهم بالعدول عن ذلك فرفضوا كل نصح ورجاء، ولكنى لم أيأس فأرسلت قوما آخرين متشبعين بالفكرة التى كانت تجول بخاطرى فى هذا الشأن، فأفلح سعى هؤلاء فى هذه المرة، لأنه كان مشربا بروح التهديد والوعيد».
لجأت «الذات الكبيرة» «الأمير عمر طوسون» إلى فكرة أخرى بعد أن تعذر سفر «وفد الحزب الوطنى»، يذكرها فهمى قائلا: «اتجهت «الذات الكبيرة» إلى فكرة أخرى وهى اختيار اثنين من أعضاء الحزب الوطنى المقيمين بالإسكندرية للسفر إلى أوروبا، وهناك يسعيان إلى ضم من يمكن ضمه من أعضاء الحزب الوطنى المقيمين بالخارج لتشكيل وفد منهم».. وأمام ذلك استخدم «فهمى» حيلة جديدة تعتمد على العنصر النسائى، ويعترف بها قائلا: «أرسلت وفدا من السيدات المشتغلات بالحركة الوطنية إلى الإسكندرية بعد أن زودتهن بما يجب عمله لإبطال هذه الفكرة أيضا».
سافر وفد السيدات إلى الإسكندرية، والتقين بزوجتى العضوين كورقة ضغط قوية على زوجيهما، ووفقا لفهمى: «حدث أن اقتنع واحد ولم يقتنع الآخر»، ويكشف، عما حدث لمواجهة ذلك، قائلا: «توجهن السيدات إلى بيته وتكلمن كثيرا مع زوجه، وأعلمنها بأن عمل زوجها سيكون نقطة سوداء فى تاريخ عائلاتهم ويكون هو عرضة لأن يدعى خائنا، ويلصق به هذا الاسم وبعائلته إلى ما شاء الله، وبعد مناقشة طويلة ضربن فيها كثيرا على هذه النغمة مما أبكاها وأقنعها بسوء المصير إذا نفذ زوجها هذه الفكرة، قالت لهن: سأعمل كل ما أستطيعه لمنعه من السفر، فإذا لم أفلح فلا أكون فى عصمته إذا سافر».
يستكمل «فهمى» الكشف عن باقى مخططه قائلا: «لما عاد الزوج من عمله سأل زوجته هل أعدت حقائب السفر، فقالت له: يجب عليك أن تفكر فى مصير أولادك قبل أن تفكر فى السفر، لأننى لا أريد البقاء فى عصمتك، ولا أريد خدمة أولادك وملاحظتهم، فقال لها مندهشا: وكيف كان ذلك؟ فقالت: أننى لا أريد أن أدعى بين قومى «زوجة الخائن»، لأن العمل الذى تريد أن تنفرد به دون الخمسة عشر مليونا من المصريين لا يمكن أن يؤول إلا بالخيانة».. يعلق فهمى: «ارتاع الرجل من هذه المفاجأة، وحاول إقناع زوجه بجميع الطرق فلم يفلح، وأخيرا عدل عن السفر ورد «شيك» العشرة آلاف جنيه إلى صاحبه».