الدعوة لحوار سياسى تفتح مسام جديدة وجسورا للتفاهم وإدارة التنوع السياسى والأهلى.. مواثيق حاكمة لإدارة فنون الاختلاف وقاعدة لتفاهم أوسع.. الحوار ضرورة للحاضر والمستقبل فى واقع يتغير وعالم يموج بالتحولات والمنافسات
هناك دور للبرلمان «النواب والشيوخ» فى تعديل ما يستحق من قوانين بما يتيح حركة أوسع للأحزاب.. تفعيل لجنة العفو الرئاسى استجابة مهمة تقدم أرضية لتجميع وتفاعل حول الحاضر والمستقبل.. الرئيس أعلن قرب الإعلان عن تطهير شامل لسيناء من الإرهاب وكرر تنبيهه أن هذا الثمن الباهظ للإرهاب يحتم عدم نسيان الماضى القريب والتعلم منه
الرئيس حرص على تأكيد قدرة الدولة على مواجهة أزمة تواجه العالم ونفى محاولات خلط تسعى لإرباك الأسواق والمواطنين.. طرح شركات مملوكة للقوات المسلحة فى البورصة يعنى الإفصاح عن قوائم مالية ويؤكد خضوع الشركات للقانون والضوابط الضريبية.. الاستراتيجية الوطنية تضع تصورا شاملا للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والرأى والتعبير والعمل السياسى
فى الزمان والمكان، حدث إفطار الأسرة المصرية يمثل معانى كثيرة دائما، لأنه يجمع كل فئات الشعب المصرى فى مكان واحد، وهو تجمع يمثل إلى حد كبير التنوع الشعبى والاجتماعى «سياسيين ونقابيين، رجال أعمال وموظفين وعمال وفلاحين، جنود وضباط أهالى شهداء أطباء ومهندسين محامين ومعلمين تجاريين وصحفيين وبيطريين وإعلاميين وتمريض، سكان بحرى والصعيد وسيناء ومطروح والبحر الأحمر والدلتا والقناة والوادى»، خلطة متنوعة تعبر عن تمثيل أقرب لبرلمان.
وقد تضمنت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، خطوات نحو المستقبل، وتحليل للحاضر مع طمأنة، ودعوة لعدم نسيان الماضى القريب والتعلم من دروسه، وسط هذا التنوع كانت كلمات الرئيس عبدالفتاح السيسى وقراراته معبرة أو ردا على تساؤلات عديدة مهمة، عن الحاضر والمستقبل، سياسيا واجتماعيا، ربما يكون العنوان الأبرز هو الإعلان عن إطلاق حوار سياسى موسع بمشاركة كل التيارات دون تمييز أو استبعاد، مع تكليف إدارة المؤتمر الوطنى للشباب بالتنسيق مع كل التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسى حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، وهو قرار للمستقبل، وأن يتم تقديم المخرجات إليه ليقرر حاجات التنفيذ، وهناك إشارات إلى دور أكبر للتيارات والأحزاب السياسية.
الرئيس تحدث عن حوار سياسى، يتناسب مع الجمهورية الجديدة، إدراكا لأهميته، وأهمية المرحلة المقبلة، التى تتطلب المزيد من التنوع بعد مرحلة التأسيس والاستقرار وهزيمة الإرهاب، والحوار سيكون نقطة فاصلة فى تطوير العمل السياسى والأهلى ويحمل الكثير من النقاط الإيجابية، ويجيب عن أسئلة مطروحة ويؤكد حيوية الإرسال والاستقبال بين الدولة والمجتمع.
الرئيس قال إنه دائما كان حريصا على الإصلاح السياسى، مدركا لضرورته، لكن المرحلة السابقة كانت هناك أولويات فرضت نفسها وأجلت هذا الإصلاح، حتى جاء وقته، وهو وقت مناسب لعوامل كثيرة بعد أن نجحت الدولة خلال 8 سنوات فى وضع أسس الاستقرار وتخطى التحديات، بما يمكنها أن تستوعب إدارة التنوع، وتفتح المجال العام لمزيد من النقاش والمشاركة السياسية والاجتماعية.
حوار للجميع وحقوق اقتصادية واجتماعية وسياسية
لم يضع الرئيس شروطا للحوار، وأكد أنه سيتم بين كل القوى دون استثناء أو تمييز، وعقب خروج مخرجات له يتم عرض ذلك على مجلسى النواب والشيوخ حتى يكون هناك مزيد من النقاش حول القوانين «نتيح الحوار والنقاش لكل القوى دون استثناء أو تمييز»، بالطبع فإن الحوار متاح لكل الأطراف، التى لم تتورط فى عنف أو إرهاب أو تحريض، وهى قوى معروفة عزلت نفسها ومارست كل أنواع التحريض والتشكيك.
النقطة التالية والمرتبطة بفكرة الحوار السياسى، هى تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسى، والتى تم تشكيلها قبل سنوات ضمن توصيات منتدى الشباب، ومارست عملها ثم توقفت لتعود بقرار الرئيس، لتمثل تلبية لمطالب جرت على مدى السنوات الماضية، وتسهم فى امتصاص الكثير من عناصر الاختلاف، بالطبع فإن جدية القرار تمثلت فى إعلان تشكيل اللجنة لتبدز عملها، وهى جسر جديد يسهم فى دفع المزيد من التفاهم بين الدولة والمجتمع، خاصة شركاء 30 يونيو الذين اكتشفوا دائما أهمية الدولة، والحفاظ عليها، ويتوقع أن تمارس لجنة العفو دورها فورا، وتظهر ثمارها، لتخرج دفعات جديدة، سبقتها دفعات من المحبوسين والنظر فى ملفات كل من لم يتورط فى عنف أو تحريض.
ونظن أن هناك فرصة كبيرة أمام التيارات السياسية ومنظمات المجتمع الأهلى والمدنى، لتناقش مطالب وأهداف العمل السياسى فى المرحلة المقبلة، بما يتماشى مع أهداف المستقبل والتنمية والتنوع، انطلاقا من ثوابت الاستقرار والأمن القومى، مع الاختلاف فى تفاصيل تتعلق بتوجه كل حزب أو تيار يمينا أو يسارا، وربما تكون هناك حاجة لدخول هذا الحوار من دون شروط، أو توقف عند الماضى والتجمد حوله، وأن يكون الحوار طريقا لتحديد عمل ودور الأحزاب والتيارات، وليس فقط توجهات المطالب بقدر ما هى توجهات يمكن من خلالها تمييز كل حزب عن الآخر، حتى لا تبقى الأحزاب مجرد أسماء، فضلا عن تعدد الأحزاب من اتجاه واحد مع ضعف عضويتها.
الحوار ضرورة لرسم مستقبل العمل بناء على واقع يتغير، وعالم يموج بالتحولات وإقليم يغرق فى الصراعات، وهناك دور للبرلمان «النواب والشيوخ» فى تعديل ما يستحق من قوانين بما يتيح حركة أوسع للأحزاب.
نفس الأمر فيما يتعلق بالمجتمع المدنى، والذى تم إعلان 2022 عاما للمجتمع المدنى والأهلى، وفى سبتمبر الماضى تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتى تضع تصورا شاملا لحقوق الإنسان يقوم على أهداف وقيم محلية، لأنه يتضمن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مع حقوق الرأى والتعبير والعمل السياسى.
إدراك الدولة المصرية لملف شديد الأهمية
كان إطلاق الاستراتيجية الوطنية يعنى إدراك الدولة المصرية لملف شديد الأهمية يرتبط بمطالب ونقاط لافتة، ويفترض البناء على ما تم اتخاذه خلال السنوات الماضية، من خطوات وقرارات لتمكين الفئات الأولى بالرعاية، ودعم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والسعى لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، ودعم ذوى الاحتياجات الخاصة وتخصيص نسبة فى مقاعد مجلسى النواب والشيوخ، وقوانين تسهل لهم الحصول على وظائف أو إعفاءات، ونفس الأمر فيما يتعلق بالأقباط والمرأة، وفئات لم تكن قادرة على تحصيل المقاعد.
وأكد الرئيس عند إطلاق الاستراتيجية الوطنية أن مصر وهى على أعتاب تأسيس «جمهورية جديدة» تبدأ حقبة مستقبلية بإطلاق استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، إيمانا بأهميتها فى استمرار وتجدد الدولة الوطنية، وضمان كرامة المواطن، مع اعتبار كل الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطا وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع، وتأكيد أن المجتمع المدنى شريك فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونشر الوعى بها فى المجتمع، وحريات الرأى والمعتقد.
وتضمنت الاستراتيجية الوطنية أهمية الحقوق المدنية والسياسية، ومنها الحق فى المشاركة فى الحياة السياسية والعامة التى تسهم فى ترسيخ الديمقراطية وسيادة القانون، من خلال تحديث العديد من التشريعات الوطنية، وإنشاء الهيئات والكيانات المستقلة لتنظيم ممارسة هذه الحقوق، وانعكس ذلك فى إنجاز جميع الاستحقاقات الدستورية التى كفلت تعبير الشعب عن إرادته الحرة فى الانتخابات الرئاسية والنيابية، ليقوم ممثلو الشعب بمسؤولياتهم فى مجلس الشيوخ، مع مجلس النواب والهيئة الوطنية للانتخابات ككيان مستقل دائم يختص بإدارة الانتخابات والاستفتاءات، بما يضمن نزاهتها ويشجع على المشاركة السياسية.
وتم إعلان عام 2022 عاما للمجتمع المدنى واستمرار جهود التطوير التشريعى والتنفيذى، مع تطبيق اللائحة التنفيذية لقانون الجمعيات، والتى تنظم عمل عشرات الآلاف من الجمعيات الخدمية والمدنية. والآن أعلن الرئيس عن الاستمرار فى نفس الطريق، نحو حوار سياسى يتضمن كل هذا، ويضمن التوازن فى الحقوق والواجبات ويعطى المواطن الحق فى محاسبة الحكومة ومساءلتها.
كل هذه القرارات بخصوص الحوار وتفعيل لجنة العفو الرئاسى تصب فى إطار العمل للمستقبل، وترسم خطوطا واضحة لخرائط يفترض أن يضعها المشاركون فى الحوار استغلالا للفرصة، وعدم تكرار محاولات أو التوقف عن الماضى وأيضا من دون استبعاد.
الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو يتحدث عن الحوار أعلن خبرا مهما، وهو قرب الإعلان عن تطهير شامل لسيناء من الإرهاب، بعد نزع الألغام والعبوات التى زرعها الإرهابيون، ويعتبر الإعلان عن دحر الإرهاب خطوة مهمة فى الانتصار على إرهاب فكك ودمر دولا ضمن حروب بالوكالة، وهزيمة لمنصات الدعاية للإرهاب، لكن الرئيس حرص على تأكيد أن تكلفة هزيمة الإرهاب كانت ضخمة، وأن مليار جنيه كانت تكلفة الحرب على الإرهاب شهريا، ولمدة 84 شهرا، بما يعنى 84 مليار جنيه، بجانب شهداء ومصابين لا يقدرون بثمن، 3277 شهيدا، و12 ألفا و280 مصابا بعضهم بإصابات بالغة، وكرر الرئيس تنبيهه أن هذا الثمن الباهظ للإرهاب يحتم عدم نسيان الماضى القريب والتعلم منه.
خارطة للحاضر والمستقبل
خلال كلمته طرح الرئيس عددا من القرارات تتعلق بتوصيف الوضع الاقتصادى وتساند وتدعم العمل نحو المستقبل، حيث كلف الحكومة بعقد مؤتمر صحفى عالمى لإعلان خطة الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، وهنا تكون الحكومة مستعدة لتقديم تصوراتها لمواجهة الأزمة، والتعامل مع سيناريوهات ومصير الحرب فى أوكرانيا، والتعامل مع تأثيرات هذه الأزمات وانعكاساتها، وهى أزمات عالمية، لكنها تتطلب خططا للتعامل معها.
ورغم أن الرئيس تحدث عن تحديات تواجه الدولة فيما يتعلق بالاقتصاد، حرص على تأكيد أن الدولة تمتلك رصيد 6 شهور على الأقل من احتياطيات السلع الأساسية بموازناتها، بجانب مخزون من القمح يكفى لنهاية العام، وأن النجاح فى عبور أزمات كورونا والإرهاب يؤكد القدرة على الخروج من هذه الأزمة، وفى ذلك رد على شائعات وادعاءات انطلقت من منصات ولجان إلكترونية، لا ظل لها من الحقيقة، تخلط بين وجود أزمة عالمية، تواجه 143 دولة باعتراف المنظمات الدولية ومنها دول كبرى، وبين ادعاءات وشائعات تسعى لإثارة الهلع والأسواق المالية والاقتصادية.
الرئيس أصدر قرارات منها تكليف الحكومة وكل الأجهزة المعنية بتعزيز أوجه الدعم المقدم لمزارعى القمح بزيادة المحفزات المقدمة للمزارعين مادية أو خدمية، وهو استمرار لسياسة تدعيم الزراعة، والاكتفاء الذاتى، مشيرا إلى أن مصر تحقق الاكتفاء الذاتى من الخضار والفاكهة والأرز والسكر بنهاية العام، كل هذا بالرغم من زيادة السكان سنويا بما يقارب المليونين، ولاستمرار مواجهة الأزمة، كلف الوزارات والمؤسسات والأجهزة المعنية باستمرار عمل المعارض التى ساهمت فى توفير السلع الأساسية للمواطنين بالاستمرار فى تقديم جميع السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مدعمة وحتى نهاية العام الجارى.
ومن بين القرارات المهمة التى تتعلق بالاقتصاد وتستحق كل منها مناقشة منفردة، إطلاق مبادرة لدعم وتوطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلى، من خلال تعزيز دور القطاع الخاص فى توسيع القاعدة الصناعية للصناعات الكبرى والمتوسطة، ومن بين القرارات الرئاسية المهمة فى إفطار الأسرة المصرية، تكليف الحكومة بإعلان خطة واضحة يتم الالتزام بها لخفض الدين العام كنسبة من الدخل القومى، وهو أمر يلبى مطالب مطروحة بين خبراء الاقتصاد، وأيضا تكليف الحكومة بطرح رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية، والإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص فى الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات، والبدء فى طرح حصص من شركات مملوكة للدولة فى البورصة المصرية، وأيضا طرح شركات مملوكة للقوات المسلحة فى البورصة قبل نهاية العام الحالى، وهى قرارات تؤكد شفافية العمل فى هذه الشركات، لأن طرح أى شركة فى البورصة يتطلب الإفصاح عن قوائم مالية ومعلومات، وتأكيد أن هذه الشركات تخضع لكل القوانين المالية والضريبية.
لقد لخص الرئيس الكثير من النقاط التى تمهد الطريق للمستقبل، وتفتح آفاقا أرحب لحوار سياسى واجتماعى، وكعادته كان صريحا وواضحا، وجاءت كلمته تحمل تحليلا للواقع من دون تهوين أو تهويل، ودعوة للاطمئنان مع الحذر، فى عالم متشابك، والكرة الآن فى ملعب تيارات سياسية يفترض أن تنظر للمستقبل، وتتعامل مع الواقع كما هو وليس كما يريده البعض هنا أو هناك، لأن مصر مجتمع متنوع يتسع للجميع.