صانع حُصر على قديمه.. يعزف على أوتار النول ويرسم لوحة فنية من الحصير البلدى.. عم "عزت" لا يجيد القراءة ويكتب أى شيىء بالأشغال اليدوية.. ويؤكد: المهنة تحتاج للخبرة والمهارة والدقة وأصدر منتجاتى للسعودي

لوحة فنية تكاد تبهرك من سحر جمالها، تحكى نقوشها وزخارفها عن فنان ماهر من عالم فريد، وهب حياته لتراث وفن محفور يأبى النسيان، فى فناء صغير مبنى من الطوب المتهالك تتناثر فيه لوحات فنية من الحصر فى أشكال هندسية رائعة بمركز بنى عبيد بالدقهلية، يفترش الأرض بين أعماله الفنية، وابتسامة طفل حالم تستقر على وجنتيه وهو ينسج بيداه أعواد السمار يمينا ويسارا بدقة وسرعة متناهية، بخيوط الكتان المشدودة بين طرفى النول الخشبى الذى يعود عمره لعشرات السنين، وبذاكرته التصويرية وحسه الفنى يمرر برشاقة وانسيابية أعواد السمار المشعة بألوانها بين الكتان وهو يعزف على أوتار النول الخشبى لحنا شجيا، وفى وهلة يدمجهما بقطعة خشبية تسمى "المضرب"، حتى ينتهى من نسج سطور لوحته الفنية. رحلة كفاح دامت لأكثر من أربعين عاما، حافظ خلالها عزت محمد صاحب الـ55 عاما على مهنة صناعة الحصير البلدي، ظل وفيا ومخلصا لها رغم اندثارها وتراجع عائدها وقلة المقبلين عليها بعد انتشار حصير البلاستيك ومسايرة التطور. فالحرفة بالنسبة له ليست مجرد مهنة، بل هى حالة عشق، ذكريات طفولته وشبابه، موهبته وحرفته وتاريخ أجداده الذى لا يزال حيا بين جوانح ورشته الصغيره، الذى يمكث فيها لساعات طويلة كى ينتج قطعا من الحصير، الذى لا يكاد أن يعلق ويتعرف على بيته حتى يستقر فى مختلف القرى والمحافظات. "حياتى كلها فى المهنة دي، أنا مدخلتش مدارس ولا اتعلمت، وهبت حياتى لصناعة الحصير، كان عندى 8 سنين وشوفت اخوالى وهما بيصنعوا الحصير، فشدوا انتباهى بمهارتهم العالية فى التصنيع، وبقى عندى فضول ورغبة إنى أتعلمها وافهمها وأكون زيهم، ولأنى أصريت على ده قدرت إنى أحقق رغبتى وهدفى وأحافظ على المهنة من بعدهم". بهذه الكلمات بدأ "عزت" حديثه لـ"انفراد"، فقال إنه عمل فى صناعة الحصير اليدوى "السمار" منذ طفولته، حيث عكف على مراقبة أقاربه وهم ينسجون بأيديهم أعواد نبات "السمار" بخيوط الكتان على النول ليصنعوا الحصير بكل أنواعه وأشكاله، حتى عشق المهنة وتعلم أصولها واحترفها وأكمل مسيرة أجداده؛ ليحافظ على تراثهم ومهنتهم التى فنوا فيها حياتهم. وتابع أن صناعة الحصير كانت لعقود طويلة المهنة الأساسية لعدد كبير من أبناء القرية، فالجميع كان يفترش أمام بيته الحصير البلدى بكل أشكاله وأحجامه، وكانت منتجاتهم تصدر لجميع المحافظات، مشيرا إلى أن المهنة بدأت تنقرض وتواجه خطر الاندثار بعد ظهور السجاد والبلاستيك والموكيت، وتراجع زراعة نبات السمار، وعزوف صناعها عن مواصلة العمل فيها وامتهنوا أعمالا أخرى، وعدم إقبال شباب الجيل الجديد لتعلمها والعمل فيها بسبب ضعف عائدها المادى وضعف الإقبال على شرائها، قائلا: "زمان كان غير دلوقتي، كنا بنشترى أعواد نبات السمار من جمعية للحصريين هى المسؤولة عن توزيع نبات "السمار" على صناع الحصير، لكن دلوقتى الوضع اتغير، السمار قل وصناع المهنة مبقوش حابين يكملوا فيها، وبقى اعتمادنا على الفلاحين والمزارعين فى إنهم يزرعوا نبات السمار فى أراضيهم". وأضاف أنه بالرغم من جودة الحصير البلدى وبساطة تصميماته وانخفاض تكاليفه وأسعاره، إلا أنه لم يعد مفضلا للاستخدام من قبل الكثيرين، باستثناء أبناء الريف الذين لا يزالون يقدرون الحصير البلدى ويحافظون على استخدامه كفرش للأرضيات؛ لثباته ومقاومته للرطوبة واحتفاظه بالبرودة، أو لصنع الأجبان، أو كلوحة فنية تعلق على جداريات الغرف، فضلا عن إقبال الكثيرين لاستخدامه فى الفنادق السياحية والشاليهات والكافيتريات، ودور العبادة، مؤكدا على أن تصميماته ومنتجاته لها أثر فى كل محافظة من محافظات مصر، وتصدر بشكل دائم للمملكة العربية السعودية. وأشار إلى أنه بالرغم من كون صناعة الحصير من الصناعات غير المعقدة، إلا أنها تحتاج للخبرة والمهارة والدقة، حيث تبدأ بتجهيز المواد الخام المستخدمة فى الصناعة من أعواد السمار التى يحصلون عليها بشكل فطرى من جوانب الزراعات والمسطحات المائية وحواف الطرق السريعة، وخيوط الكتان، ثم يقوم بتقطيع الأعواد لأطوال مختلفة وتقسيمها وترتيبها وفقا لأطوالها، وبعدها يقوم بغمرها بالمياه فى أحواض مخصصة حتى تحصل الأعواد على الرطوبة المطلوبة ولا تنكسر أثناء صناعة الحصير، وبعدها يتم شد خيوط الكتان على النول، لتبدأ بعدها نسج أعواد السمار وتركيبها واحدة تلو الأخرى بين الكتان بشكل متجانس ومنظم حتى الانتهاء من صناعة الحصيرة بالمقاس المطلوب. وأوضح أن أعواد السمار يتم نسجها واحدة تلو الأخرى على شكل سطور منتظمة متساوية الطول والسمك، يتم ربط نهاياتها بعقد تثبتها وتضفى عليها رونق جمالى خاص، مضيفا أن فى حالة طلب الزبون الحصيرة بنقوش وزخارف معينة كرسم رسومات أو أشكال هندسية أو جمل وكلمات، يقوم بإدخال أعواد السمار التى قام بتلوينها باستخدام الصبغات الطبيعية وحياكتها بين أعواد السمار غير الملونة وخيوط الكتان وفقا للشكل والرسمة التى يريدها، موضحا أن بالرغم من كونه لا يجيد القراءة والكتابة، إلا أنه يبدع دوما فى نسج أعواد نبات السمار بدقة وسرعة متناهية، باستخدام خيوط القطن المشدودة بين طرفى النول، ونقشها والكتابة عليها بأعواد السمار الملونة، حيث يجيد صناعة وتصميم كل أشكال الحصير والكتابة عليها وكأنها قطع فنية بديعة. وبصوت تعالت نبرته بقوة وعزة وشموخ، قال "عزت"، إنه فخور كونه نجح فى الحفاظ على حرفة تراثية أصيلة، كافح فيها طيلة حياته دون كلل أو ملل، واستطاع أن يطور منها لتساير تطور الحياة وأذواق الناس المتغيرة من حين لآخر، مؤكدا أنه سيواصل عمله فى صناعة الحصير البلدى لآخر نفس فى حياته، قائلا: "راحتى فى تصنيع الحصير، وبطلبها من ربنا إنى أموت وأنا فى ورشتى الصغيرة وبصنع حصير".


























الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;