دراما «العائدون»، تعاملت بالكثير من الحذر مع ملفات معاصرة تتعلق بواحدة من أكثر الملفات تعقيدا وتشابكا فى العصر الحديث، حيث ظهر تنظيم داعش الإرهابى بسرعة، بعد أن تم إعداده فى أعقاب غزو العراق 2003، وقام بخلطة من فلول القاعدة، وبقايا جيش العراق، مع تجنيد مرتزقة من كل دول العالم، وقام داعش بمعرفة عدد من الدول الكبرى والإقليمية، وبرغبة فى تغيير على الأرض من خلال توظيف التنظيمات الإرهابية لحروب بالوكالة، تتم بعدها إعادة تقسيم المنطقة.
فى نوفمبر 2015، قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، خلال قمة مجموعة العشرين: إن تمويل داعش يأتى من 40 بلدا، بما فى ذلك بعض دول مجموعة العشرين، وكان يشير إلى دول كبرى وإقليمية، وبالتالى كان صعود «البغدادى» فجأة لقيادة داعش يتم تحت سمع وبصر وكاميرات أقوى أجهزة الاستخبارات فى العالم، ظهر التنظيم مدعوما بفرق تليفزيونية وفضائية تصنع له أفلاما احترافية بجودة عالية، وتبدو أنها من إنتاج قناة أو مدينة إعلام كبرى، كما حصل التنظيم على أعداد من سيارات الدفع الرباعى التى ميزت مسيراته وتحركات قياداته، وكانت جزءا من لغزه.
بعد تعرض التنظيم لهزائم، جرت عمليات لنقل وإعادة توزيع المرتزقة وعناصر التنظيم الى ليبيا وغرب أفريقيا، لاستمرار توظيفهم فى حروب جديدة، للضغط وكسب أرض، لكن كان هناك من يدخل وسط دوائر النار ليقطع الطرقات ويغير من الخطط، وهذا التدخل بقطع دوائر التنظيم هو ما يرصده مسلسل «العائدون»، فى أخطر حلقاته، ومن يتابع شكل وحجم التصريحات والخطط التى أعلنت قبل أربع سنوات، وما يتم الآن، يعرف كيف كان هناك تغيير على الأرض حول الكثير من المخططات بعيدا وغير من مساراتها، وكان هذا نفسه دافعا لمحاولات وخطط لعمليات إرهابية.
دراما «العائدون» ترصد جزءا من المراحل الأخيرة، التى تقاطعت فيها الأجهزة المصرية، وتدخلت لتغيير المعادلة، فى وقت كانت مصر تواجه الإرهاب المحلى، وفى الوقت ذاته تسعى لوقف إعادة تدوير الدواعش فى خطط جديدة وحروب بالوكالة، أدت قبل ذلك إلى تفكيك وتخريب دول، بهدف إقامة دول وهمية عازلة تسهل خطط العزل وإعادة التقسيم.
الاختراق والتغيير يرصدههما مسلسل «العائدون»، والذى يقدم ما هو مسموح فى الدراما، بينما هناك تفاصيل تشير إلى الكثير من الأحداث، والتقاطعات التى تمت على مدار سنوات، وما زال لغز داعش واحدا من أكثر الألغاز غموضا وتعقيدا، فى نشأته وحجم ما حصل عليه من دعم، ويكفى لمعرفة خطة النقل وإعادة التوزيع لداعش - وهو ما رصدت بعضها تقارير مختلفة، حيث صدرت فى ديسمبر 2017 تقارير غربية عن غموض مصير آلاف الإرهابيين الذين تم نقلهم خارج سوريا والعراق، وإعادة توزيعهم، وكشفت «بى بى سى» عما سمته الصفقة القذرة لنقل 4 آلاف داعشى وأسرهم وأسلحتهم، وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام، وأشار تقرير هيئة الإذاعة البريطانية لأطراف غربية شاركت فى صفقة إخلاء داعش، وكتب المحلل الروسى فلاديمير موخين، فى صحيفة «نيزافيسيمايا جازيتا»، عن تشكيل جيش جديد من الدواعش السابقين يتم تدريبهم فى معسكرات بمعرفة أجهزة استخبارات كبرى، لاستخدامهم فى خطط وتحركات.
«العائدون» يسعى لتقديم هذه التفاصيل وتوثيق خطط نقل الدواعش ليكون طرفا فى تغيير المعادلة فى ليبيا بل ودول أخرى فى أوروبا وغرب أفريقيا لتوظيفهم فى عمليات ضغط سياسى، وكانت مهمة كشف الغطاء عن هذه المعلومات والعلاقات ووجهات الدواعش، بالرغم من صعوبتها مهمة فى مواجهة إرهاب «معولم» له ارتباطات واسعة، تحيطه صفقات، وكانت تحركات الأجهزة المصرية تنطلق من إدراكها لهذه الملفات، وكانت عملية الكشف مهمة لدول كثيرة كانت جسرا لمرور المرتزقة، وأيضا للممولين والمخططين، الذين فقدوا خيوطهم بفضل تحركات أجهزة المعلومات المصرية، وقطع أخطر حلقات الحروب بالوكالة، شرقا وغربا.