منذ إطلاق الرئيس دعوته للحوار الوطنى، لم يتوقف الجدل والنقاش حول الأمر، وانقسمت أطراف القضية - كالعادة - إلى أغلبية ترى الجوانب الإيجابية فى الأمر، وأن الدعوة للحوار هى استمرار لخطوات تمت على مدار الشهور الماضية منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وقبلها فى فترة الإعداد، والتى سبقتها خطوات حاسمة فى تمكين الفئات المختلفة فى المواقع البرلمانية والتنفيذية، وكلها خطوات تمت من خلال رؤية محلية تنطلق من حاجة المجتمع لإدارة التنوع السياسة والأهلى، توسيعا لنطاق المشاركة فى العمل العام بكل زواياه، وكانت الاستراتيجية، وملف حقوق الإنسان، على رأس القضايا التى جرت مناقشتها فى منتدى شباب العالم الأخير، قبل شهور، حيث تنطلق مصر فى هذا الملف من مفهوم شامل، يستند إلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى يتضمن حقوق الحياة والصحة والسكن والتعليم والمساواة وتكافؤ الفرص، ومعها حقوق التعبير والعمل العام والسياسة، ومن هنا كان تحرك الدولة فى هذا الملف منذ سنوات وتحركت فى البنود الصعبة، ومنها نقل مئات الآلاف من سكان العشوائيات إلى مجتمعات إنسانية، مع كامل حقوقهم فى الصحة والعلاج والعمل والتعليم وحتى مراكز الشباب، وملف علاج «فيروس سى»، وإطلاق برنامج «تكافل وكرامة»، وصولا إلى «حياة كريمة»، التى تهتم بـ60% من سكان مصر فى القرى والتوابع والعزب والكفور، وأن تكون فى هذه القرى أساسيات الحياة، من صرف، ومياه، وكهرباء، ومدارس، وطرق، ووحدات صحية.
بجانب ذلك، اتخذت الدولة، خلال السنوات الماضية، خطوات وقرارات لتمكين الفئات الأولى بالرعاية، ودعم الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والسعى لتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، ودعم ذوى الاحتياجات الخاصة، وتخصيص نسبة فى مقاعد مجلسى النواب والشيوخ، وقرارات وقوانين تسهل لهم الحصول على وظائف، أو إعفاءات، والأمر ذاته فيما يتعلق بالأقباط والمرأة، وفئات لم تكن قادرة على تحصيل المقاعد.
طبعا هناك جهات تتجاهل كل هذا، وتركز على نقاط بالرغم من أهميتها لا تمثل العمود الأساسى للحقوق، وهو نفس ما يحاول المزايدون وبعض من يتكسبون ويتربحون من هذا الملف، فى التعامل مع المبادرة الأخيرة، والتى لم تأت من فراغ، بل تأتى استكمالا لخطوات متعددة تمت على مدار السنوات التسع الماضية، بعد أن نجحت، فى وضع أسس الاستقرار والقدرة على تخطى التحديات، واستيعاب إدارة التنوع، وفتح المجال العام لمزيد من النقاش والمشاركة السياسية والاجتماعية، بناء على ما يحتاجه المجتمع، وليس إرضاء لبعض أصحاب الهوى.
والواقع أن أى طرف جاد يهتم فعلا بالحقوق والحريات، يجد فى الدعوة للحوار، ولجنة العفو، خطوات توسع من حرية الأفراد، وتسهل خروج أعداد من المحتجزين فى قضايا سياسية، ممن لم يتورطوا فى العنف والتحريض عليه، وخلال الفترة من أول رمضان إلى الآن، خرج عدد من المحتجزين على ذمة قضايا، بناء على دراسة لجنة العفو، وبحث الحالات المختلفة، لكن أعضاء اللجنة كالعادة تعرضوا لأنواع من الانتقاد والهجوم أحيانا، بالطبع من أطراف ترى ان أى مصالحة او انفراجه سياسية تضر بمصالحهم، وهى مصالح مباشرة وأرباح اعتادوا تحصيلها من المتاجرة بالملف الحقوقى لصالح جهات التمويل، وهؤلاء سوف يفقدون مصادر دخلهم فى سوق المزايدة، وهناك - مع هؤلاء - أطراف حقوقية لديها ملاحظات أو اقتراحات تستحق النظر والمناقشة ويمكن تفهم مطالبهم، ومعهم أطراف تشعر بالاستبعاد من المشهد، بعد أن اعتادوا «الهبد» فى كل اتجاه، وهؤلاء أيضا لديهم الفرصة للدخول فى الحوار والمشاركة بآراء او اختلافات لكنها تنطلق من مصالح البلد والمواطنين، وليس لجمع متابعين أو لايكات وإعجاب.
وربما على أعضاء اللجنة، أو أطراف الحوار، أن يتحلوا بدرجة من النضوج، تجعل تحركهم انطلاقا من النظر للمستقبل وعدم الخضوع لمزايدات وأطراف لم تتوقف طوال عشر سنوات عن «الهبد» والبحث عن صورة.