كشفت الأزمات التى يمر بها العالم، خاصة التداعيات الاقتصادية للحرب بين روسيا وأوكرانيا، عن أهمية وجود عملة موحدة مثل الدولار لدى الولايات المتحدة الامريكية، واليورو لدى الاتحاد الأوروبى، فتلك العملة الموحدة تستخدم كسلاح للتعامل مع المشاكل الاقتصادية.
تعانى أمريكا اللاتينية من أزمة اقتصادية كبرى؛ بسبب أزمة كورونا، وما تبعها من أزمات بسبب حرب روسيا وأوكرانيا، لذا اتجهت بعض الدول إلى الدولرة، فى محاولة للخروج من مشاكل الاقتصاد، حيث إن الدولرة مفهوم مألوف للعديد من اقتصادات أمريكا اللاتينية، والتى تضمنت تغييرات فى السياسة النقدية، ولكن هل طرح عملة موحدة على غرار اليورو سيكون الحل الأمثل لإنهاء الدولرة وإعادة الانتعاش الاقتصادى فى المنطقة؟
ووسط موجة عالمية من ارتفاع الأسعار، اقترح الرئيس البرازيلى السابق لولا دا سيلفا تدشين عملة لاتينية موحدة على غرار اليورو الأوروبى، واختار لها اسماً مبدئياً، بحسب صحيفة "الموندو" الإسبانية.
وبحسب تقرير الصحيفة، اختار "دا سيلفا" الذى يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، اسم "سور" أى "الجنوب" كعملة موحدة يتم اعتمادها على البنك المركزى فى القارة، وقال أنه ليس موضوعا بسيطا ولكنه مثير للاهتمام فلابد من الترويج لعملة إقليمية ووقف الاعتماد على الدولار".
وقال الرئيس السابق: "علينا إنشاء عملة فى أمريكا اللاتينية لأنتنا لا نستطيع أن نبقى معتمدين على الدولار.. العملة الموحدة ستقوى العلاقة مع أمريكا اللاتينية ويتم تنفيذ هذا الإجراء من خلال البنك المركزى فى أمريكا الجنوبية."
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاقتراح ليس جديدا، فقد نظرت البرازيل والأرجنتين فى إمكانية إنشاء بنك الجنوب، وهو أداة مالية كانت ستصبح تحت مراقبة منظمة أوناسور. ومن شأن ذلك، بحسب الحكومات المجاورة، أن يمنح المنطقة الاستقلال الاقتصادى ويسمح بـ "نقلة نوعية" فى عملية التكامل.
فكرة العملة الموحدة متكررة فى البرازيل، حيث قترح وزير الاقتصاد باولو جيديس مؤخرًا إنشاء "البيزو الحقيقي"، وهى عملة مشتركة بين الأرجنتين والبرازيل سرعان ما رفضتها البنوك المركزية فى كلا البلدين بسبب الانتقادات الشديدة لاستحالة المشروع.
كيف ستبدو عملة سور SUR، "يورو" أمريكا اللاتينية"؟
قال الخبير الاقتصادى فرناندو حداد إن "عملة سور ستسعى إلى زيادة التكامل الإقليمى وتقوية السيادة النقدية للمنطقة، تمامًا مثل اليورو، ومع ذلك، ستكون عملة رقمية صادرة عن بنك مركزى فى أمريكا الجنوبية برسملة أولية تنفذها الدول الأعضاء، بما يتناسب مع حصصها فى التجارة الإقليمية.
وأضاف الخبير أنه سيتم رسملة سور SUR "من الاحتياطيات الدولية للبلدان أو مع ضريبة على الصادرات من البلدان خارج المنطقة"، بالإضافة إلى ذلك، فإن الدول الأعضاء "ستتلقى هباتًا أولية من سور، وفقًا لقواعد واضحة متفق عليها، وستكون حرة فى اعتمادها على المستوى الوطنى أو الحفاظ على عملاتها. وستكون أسعار الصرف بين العملات الوطنية وSUR عائمة".
ويؤكد حداد على الحاجة لعملة قوية بعد أن أشار إلى الهشاشة الدولية لعملات أمريكا الجنوبية والتى على عكس الولايات المتحدة مع الدولار تمنعها من الحصول على امتياز إصدار عملة دولية، وبالفعل، تكشف الحرب المستمرة كيف تستخدم الولايات المتحدة وأوروبا قوة عملتيهما لفرض عقوبات شديدة على روسيا، مع استبعادها من نظام الدفع الدولى (سويفت).
وبحسب خبراء، فإن "إنشاء عملة لأمريكا الجنوبية يمكن أن يعزز عملية التكامل الإقليمى، التى تتميز بخطى بطيئة ولحظات من التراجع، ويعزز السيادة النقدية لدول أمريكا الجنوبية، التى تواجه قيودًا اقتصادية مستمدة من الهشاشة الدولية. من عملاتهم المعدنية".
يعتمد المشروع على حقيقة أن المزيد والمزيد من البلدان فى القارة تعتمد بشكل كبير على الدولار، مثل السلفادور والإكوادور، التى اضطرت إلى التخلى عن عملاتها، إلى جانب بنما والأرجنتين وفنزويلا، حيث تتمتع العملة الأمريكية بتأثير قوى على الاقتصادات المحلية.
خلفية اليورو والعملات المشتركة الأخرى
اليورو هو مثال على عملة مشتركة ناجحة تمكنت، على الرغم من العديد من الأزمات، من الحفاظ على نفسها منذ عام 1999 فى 19 دولة فى القارة. بالإضافة إلى ذلك، فإن عملات بلغاريا وكرواتيا والدنمارك مربوطة باليورو.
وفقًا لارى فينك، الرئيس التنفيذى لشركة BlackRock، يجب على دول أمريكا اللاتينية، بدءًا من البرازيل، الاستفادة من الآثار الاقتصادية الناتجة عن الحرب لتقليل اعتمادها على العملاء العالميين، مع تركيز انتباههم على الشركات الإقليمية. يجب أن تستفيد أمريكا اللاتينية من الفرص الجديدة التى تظهر نتيجة لإعادة التنظيم التى أحدثها الصراع فى أوكرانيا فى الاقتصاد العالمي.
وستعتمد مبادرة إنشاء عملة موحدة لأمريكا الجنوبية إلى حد كبير على نتيجة الانتخابات الرئاسية فى أكتوبر المقبل، حيث يشير كل شيء إلى مبارزة بين الرئيس جايير بولسونارو والرئيس السابق لولا دا سيلفا. كما تم الكشف عنه فى هذه السنوات الثلاث ونصف السنة من الحكومة اليمينية المتطرفة، فإن السياسة الخارجية، التى كانت كارثة، قد نسيت تمامًا علاقات البرازيل مع بقية أمريكا اللاتينية.