ربما تكون مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالدعوة لحوار سياسى بين كل القوى دون استثناء أو تمييز، هى أكبر قرار يفتح الباب للكثير من الخطوات فى المرحلة المقبلة، ويتيح أرضية للتفاهم والتفاعل بين الدولة من جهة والأحزاب والتيارات من جهة أخرى، وأيضا بين الأحزاب والتيارات السياسية وبعضها البعض.
وفى حال تم التعامل مع هذه المبادرة بشكل متجرد من قبل التيارات السياسية، يمكن أن تنعكس نتائج الحوار على العمل السياسى فى المستقبل القريب، مع الأخذ فى الاعتبار أن السياسة لم تعد تدار فقط فى مقرات الأحزاب أو مباشرة، لكنها تؤثر وتتأثر بما يدور فى الإعلام ومواقع التواصل، حيث مجال للكثير من الكلام والقليل من النقاش، وسط زحام البث والنشر، من الصعب التمييز بين الحقيقى والافتراضى، فضلا عن غياب للكثير من المفاهيم أو الحدود الدنيا التى يمكن الاتفاق حولها انطلاقا من واقع يحكم الجميع، والواقع أن الحوار ليس بين الدولة والأحزاب فقط، لكنه حوار حول الأحزاب والتيارات السياسية ودورها وعلاقتها بالجمهور والمجتمع ودورها فى التفاعل مع ما يجرى بالعالم وقدرتها على تقديم رؤيتها الواضحة تجاه الأحداث العالمية والإقليمية.
وعلى سبيل المثل ما هى آراء ومواقف الأحزاب والتيارات السياسية تجاه ما يجرى من حرب فى العالم، وانعكاساتها على الاقتصاد وقرارات البنك الفيدرالى الأمريكى على الاقتصاد وكيفية التفاعل معه، خاصة مع ما تشهده مواقع التواصل من نقاش وحالة من «الهبد» وطرح آراء خيالية وافتراضية حول كل القضايا بما فيها الحروب والأوبئة والاقتصاد والتعليم، وهى آراء قليلها ناضج وأغلبها مجرد كلام منقول من بوستات أو إعادة ترديد لكلام مبتور ونظريات ناقصة ومنتزعة من سياقها، وعناوين بلا مضمون يسندها.
ربما يكون السؤال عما إذا كانت التيارات السياسية قادرة على التفاعل مع هذا وطرحه فى أوراق ومناقشات تطرح من خلالها وجهات نظرها مما يجرى فى العالم، والتعامل باعتبار الحوار ليس غاية فى حد ذاته، لكنه وسيلة لفهم أكبر وتفاهم أوسع حول قضايا السياسة الاقتصاد، وبالطبع فإن لجنة العفو الرئاسى هى حلقة من مجموعة حلقات يفترض أن تكون داخل الحوار، وألا يكون الهدف هو إنهاء ملف صغير وترك الملفات الأخرى المتعلقة بالحاضر والمستقبل.
وقد بدأت لجنة العفو الرئاسى عملها منذ اللحظة الأولى لتفعيلها، ونجحت فى إطلاق عدد من المحتجزين، وهناك اتجاه لوضع قواعد عامة مجردة تسمح بخروج كل من لم يتورط فى عنف أو إرهاب أو تحريض، وفى المقابل يفترض أن يكون لدى اللجنة ومعها من يتوقع أن يشاركوا فى الحوار تصور لكيفية إدارة الحوار، والتوصل إلى أرضية للتفاهم والحوار ، بالشكل الذى لا يكرر الأسباب والعوامل التى أدت إلى صدام مجانى من قبل بعض التيارات مع الدولة، فى وقت لم يكن الوضع مناسبا وكانت الدولة تخوض مواجهة مع تنظيمات إرهابية تسببت فى تفكيك وهدم دول ومجتمعات.
وبوضوح إذا كانت الدولة تستجيب وتطرح النقاش حول المستقبل والعمل السياسى وطبيعته، وكيفية توسيع المجال العام وفتح آفاق التفاهم بين الدولة وكل التيارات السياسية، فإن التيارات نفسها يفترض أن تكون تغيرت هى الأخرى باتجاه تفهم أكثر وأن تغير من حياتها الافتراضية وتتعامل مع الواقع، وربما تكون التيارات السياسية بحاجة إلى مواثيق شرف تحكم أسلوب تعاملها مع القضايا والتحديات وأن تطرح آراء ومشاركة، وليس فقط هتاف افتراضى أو مزايدات تبقى عند قيمتها.
ربما تكون هناك فرصة لنقاش عام يفيد العمل السياسى، باعتبار الحوار وسيلة، للانتقال إلى غاية أهم وهى إدارة التنوع وتوسيع المجال العام.