هناك فرصة أمام التيارات السياسية الحزبية والشبابية والأهلية، لإدارة حوار حول أولويات العمل الوطنى، خلال المرحلة الراهنة، والمستقبل، وهذا الحوار فرصة، خاصة أن الدعوة للحوار جاءت من الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع دعمها من الدولة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية، فضلا عن وجود جو عام يسمح بالحوار، ويمهد الأرض لتوسيع مساحات التفاهم حول الحاضر والمستقبل.
وطبيعى أن تكون هناك أطراف مستعدة أو داعمة للحوار، ومعه تفعيل لجنة العفو الرئاسى، مع خروج عدد من المحبوسين على ذمة قضايا أو بناء على عفو، كل هذه الأجواء تعنى وجود جدية لدى الدولة فى إنجاح الحوار، وهو أمر يجعل الكرة فى ملعب الأحزاب والسياسيين والمنظمات الأهلية، لاستغلال فرصة مهمة، وبداية حقيقية لتوسيع دوائر التنوع فى المجال العام.
ومقابل وجود أطراف كثيرة داعمة للحوار، هناك أطراف تعتبر قيام حوار أو أى نقاش سياسى أو أهلى، هو أمر يتناقض مع مصالحهم، وهؤلاء يربحون من الاتجار فى الدعاية المضادة ومن بيع بضاعة دعائية للخارج، ويرددون - طوال الوقت - الكثير من الأكاذيب أو التقارير المغلوطة ليبيعوها إلى ممولين جاهزين، أو يروجون أن الدولة تلجأ للحوار بسبب ضغوط خارجية هم أكثر من يعلم أنها غير موجودة، وأن مصر لا تخضع لإملاءات وتنطلق فى رؤيتها من نسختها المحلية، وتجربة السنوات التسع الماضية تؤكد هذا، وتشير إلى أن الدولة تتحرك من مفهومها الخاص وبناء على معطيات محلية.
والواقع أن أغرب فصيل فى التعامل مع الحوار هو تنظيم اعتاد طوال تسع سنوات شن حرب دعائية ودعم العنف والإرهاب والتحريض والرهان على كل ما هو ضد الدولة وهذا الفصيل يتحرك الآن ليطلب الحوار بالرغم من أن الدعوة للحوار لا تتضمن إرهابيين ولا محرضين ولا من تلوثت أيديهم بالدم، ومع هذا يواصل فريق اللطم دوره فى بؤر الضجيج، أو من خلال اللجان الافتراضية مهاجمة الحوار والمزايدة على كل من يشارك فيه، بهدف ابتزاز الدولة لضمهم إلى حوار هم أول من يهاجمه.
لقد قطعت مصر مراحل متعددة وواجهت إرهابا ومحاولات تهديد وجودية لحدودها وأمنها، انتصرت عليها مع التقدم فى التنمية إلى الأمام وكلها عوامل تفتح الباب لخطوات ربما تم تأجيلها بسبب حرب الدولة والمجتمع على الإرهاب، ومحاولة بناء أسس الاقتصاد والعمل العام، والآن يمكن أن تسمح أوضاع الاستقرار بالمزيد من الخطوات خلق نقاش سياسى حول الأولويات، وفتح الباب لمشاركة أوسع وملاء فراغ يفترض أن يكون غير موجود.
رد الفعل على الحوار متوقع من تنظيم الإخوان وتوابعه، الذين يضغطون حتى يمكن أن يحصلوا على مكان، فى حوار لا يمكنهم أن يكونوا طرفا فيه بعد كل ما فعلوه من حروب وتحالفات مع كل خصوم الدولة والمجتمع، ومن دون أن يعلنوا توبتهم واستعدادهم للمحاسبة على كل ما ارتكبوه من جرائم.
وإذا كان هذا حال تنظيم العنف ولجانه، فإن على المنخرطين فى الحوار أو لجنة العفو ألا يخضعوا للابتزاز والضغوط الافتراضية، وألا يكرروا أخطاء سابقة ثبت أنها بلا فائدة، والأفضل أن ينخرطوا فى الحوار من أجل المستقبل من دون شروط، وبعيدا عن محاولة إرضاء أطراف هى أول من ترفض الحوار، وتريد استمرار الوضع بما يسمح برواج تجارة المظلوميات أو المتاجرة بملفات ضعيفة مع أطراف خارجية.
الفرصة متاحة لحوار يتم مع الجميع بلا شروط، يمكن أن يقود لمزيد من المشاركة، لكل من لم يتورط فى عنف أو إرهاب أو تحريض، وهذه ليست فرصة للتيارات السياسية والحزبية والأهلية فقط، بل أيضا للمترددين الذين يعيشون عزلة افتراضية وسط لايكات ومتابعين وهميين، وعلى الجميع استيعاب تجربة 12 عاما، تكفى ليتعلموا منها الكثير.