كانت الساعة الثانية بعد ظهر 11 مايو، مثل هذا اليوم، 1846، حين زار إبراهيم باشا ومعه رئيس الحكومة الفرنسية «المدرسة المصرية الحربية بباريس»، للقاء الطلاب المصريين الذين يدرسون فيها، حسبما يذكر الأمير عمر طوسون فى كتابه «البعثات العلمية فى عهد محمد على ثم فى عهدى عباس الأول وسعيد».
كان هؤلاء طلاب البعثة الثالثة من بعثات محمد على إلى فرنسا، ورابع بعثاته إلى القارة الأوروبية، وضمت هذه البعثة 70 طالبا، ذهبوا إلى باريس على دفعات، وكان على مبارك فى الفوج الأول، ومؤلفا من 39 دارسا اختارهم أركان حرب الجيش المصرى، سليمان باشا الفرنساوى، وضمت هذه البعثة أربعة أمراء من بيت محمد على هم، «ولديه، حسين بك وحليم بك، وحفيديه ولدى إبراهيم باشا أحمد بك وإسماعيل بك «الخديو إسماعيل فيما بعد»، ولذلك عرفت بين البعثات باسم بعثة الأنجال، وفقا للدكتور محمد عمارة فى كتابه «على مبارك مؤرخ ومهندس العمران»، مضيفا: كان شيخ هذه البعثة وإمامها فى الدين، العالم اللغوى الشيخ نصر أبوالوفا، المتوفى سنة 1874، ومديرها أصطفان بك، ومساعده خليل أفندى، وهما أرمنيان تعلما تعليما عاليا، وحضر أولهما بعثة سنة 1826 التى ضمت رفاعة الطهطاوى.
يذكر«عمارة»، أن مصر أنشأت المدرسة المصرية الحربية، وهى مدرسة تحضيرية تعد خريجيها بعد ثلاث سنوات، هى مدة الدراسة فيها للالتحاق بالمدارس الحربية الفرنسية العليا «الكليات»، أما ناظر المدرسة، فهو أمير الآلاى مسيو بوانسو، وكان من ضباط فرنسا الذين خاضوا حروبها الثلاثة فى ذلك العصر، وامتدت خدمته بجيشها ستة وثلاثين سنة، وكان الإشراف العام عليها لوزير الحرب الفرنسى الماريشال دوق دى دالماسى، الذى كان فى ذلك الوقت رئيسا للوزراء، وشارك فى وضع نظام هذه المدرسة مع ناظرها «مسيو جومار»، عالم الحملة الفرنسية وصديق مصر، والمشرف الفخرى والفنى على بعثاتها إلى باريس، وقام محمد على بالتصديق على هذا النظام فى 20 أكتوبر 1844، وبدأت الدراسة فيها للدفعة الأولى فى 16 أكتوبر 1844.
كان إبراهيم باشا فى زيارة إلى باريس منذ منتصف إبريل 1846، وفى 11 مايو 1846 حضر الحفلة التى نظمتها المدرسة له، ومعه رئيس الوزارة الفرنسية لتوزيع الجوائز على التلاميذ الأوائل، الذين فازوا على أقرانهم فى امتحاناتها، وفقا لما يذكره عمر طوسون، مضيفا: «فى أثناء هذه الحفلة أمر رئيس الوزارة الفرنسية ناظر المدرسة أن يوجه إلى التلاميذ الفائزين كثيرا من الأسئلة، ومع أنهم سئلوا على غرة، فقد أجابوا إجابة حسنة أمام جمع من علية القوم المحتشدين بالمدرسة، وكان ذلك مدعاة لسروره وسرور الجميع سرورا عظيما، ثم وزعت الجوائز على التلاميذ الناجحين، وكانت تسعا، وهذه الجوائز وزعت بأمر من سمو والى مصر على التلاميذ الثلاثة الأوائل من كل فصل من فصولها الثلاثة».
يذكر «طوسون» أن جوائز الفصل الأول كانت، كتاب «تاريخ فرنسا إلى سنة 1830» تأليف انكيتل، مع تكملته لمؤلفها مسيو تيودور بريه، واستحق هذه الجائزة حماد أفندى عبدالعاطى، وكتاب «علم تقويم البلدان» تأليف مالت بريم، مع الأطالس الطبعة الأخيرة، ونال هذه الجائزة على أفندى مبارك، وبيت إبرة «بوصلة» وهذه الجائزة نالها على أفندى إبراهيم.. أما جوائز الفصل الثانى فكانت كتاب «تاريخ الإمبراطورية العثمانية»، تأليف مهم، ونال هذه الجائزة الأمير أحمد بك، وكتاب «تاريخ الثورة الفرنسية» تأليف تيير، وأخذ هذه الجائزة أحمد أفندى خليل، وعلبة فضية نالها كوجك حسين بك، أما جوائز الفصل الثالث، فكانت، كتاب «تاريخ نابليون» تأليف نورفان، ونالها محمد أفندى عارف، وكتاب «دروس التاريخ الحديث»، تأليف جيزو، وحاز هذه الجائزة نوبار أفندى، وكتاب «تاريخ استكشاف أمريكا»، تأليف روبستون، وهذه الجائزة نالها بترو أفندى.
يؤكد «طوسون» أن سمو والى مصر أوصى بزخرفة هذه الجوائز وتجميلها، لتكون ذات رونق وبهجة فى نظر هؤلاء التلاميذ الذين كوفئوا بها.. يتذكر على مبارك فى مذكراته «حياتى»: «لما حضر إلى مدينة باريس المرحوم إبراهيم باشا سر عسكر الديار المصرية، حضر امتحاننا هو وسر عسكر الديار الفرنسية مع ابن ملكهم، وأعيان فرنسا، وجملة من مشاهير النساء الكبار، فأثنى الجميع علينا الثناء الجميل نحن الثلاثة، فناولنى المرحوم إبراهيم باشا مكافأتى بيده، وهى المكافأة الثانية، وكانت نسخة من كتاب جغرافيا مالطبرون الفرنسى بأطلسها منه هبة، ودعينا للأكل مع سر عسكرنا إبراهيم باشا، ولما رجع إلى مصر، صار يثنى علينا عند العزيز محمد على باشا، وغيره».