هناك تساؤلات متعددة لمن يتابعون ملفات داعش والتنظيمات الإرهابية، وهل هو قادر على استعادة قوته أم أنه انتهى إلى الأبد؟ وهل يمكن أن يكون إعلان تنفيذ عملية دليل على وجود التنظيم أم أنه دليل على تراجعه وضعفه، وأن ما يبدو هو علامات نهاية وليس علامات استعادة لقوته، وعلامات تفكك، يبدو فيها راغبا فى التغطية على ضعفه، حيث يحتضر التنظيم الذى كان ملء السمع والبصر إلى مجرد فلول مرتزقة تبحث عن ممول وملاذ آمن.
وقد أحاط الغموض بظهور التنظيم نفسه والصورة التى تم تصديرها حول قوة التنظيم وقدراته وتدريب مقاتليه، وهى قوة اتضح أنها غير حقيقية ونتاج دعاية مكثفة، وأيضا أن داعش قام ضمن اتفاقات بين دول وأجهزة، وحصل على دعم مادى وسلاح بكميات كبيرة، كل هذا ساهم فى ظهور التنظيم بصورة دعائية.
صورة تم استعمالها فى تجنيد المزيد من المقاتلين من دول أوروبا والدول العربية، وهؤلاء هم من تحولوا إلى وقود تم حرقه فى سبيل استمرار التنظيم لفترة، من خلال صور وفيديوهات ودعايات كانت تتم باحترافية كبيرة تسببت فى هذه الصورة.
ويتجدد التساؤل عن داعش مع ظهور بعض خلاياه النائمة فى سوريا والعراق، وإعلان القبض على خلايا فى العراق وسوريا، أو إعلان التنظيم مسؤوليته عن القيام بعمليات إرهابية مثلما حدث مؤخرا، وهى عمليات ترتبط بما يواجهه التنظيم وسعيه لتقديم خدمات تساعده فى تحصيل تمويلات تحل أزماته، بعد ما تعرض لهزائم وانهيارات بسرعة بدت غير معقولة، وبالتالى فإن القيام بعملية قد يكون محاولة لكسب المزيد من الوقت، خاصة أن التنظيم يواجه أزمات فى التمويل بعد تراجع مموليه السابقين عن تقديم تمويل علنى له، وبالتالى فالتنظيم يقدم خدمات مقابل التمويل والملاذات الآمنة.
داعش أبرز تنظيم يقوم بدور المرتزقة ويعمل لصالح من يموله، وظهر ذلك فى إعادة انتشار التنظيم ونقل مقاتليه من سوريا والعراق إلى ليبيا أو غرب أفريقيا ودول أخرى للمشاركة فى الصراعات، وخوض حروب بالوكالة، صحيح أن تنظيم القاعدة كان يقوم بعمليات لصالح دول أو منظمات ضمن تبادل الخدمات والحماية، لكن داعش يبدو أكثر وضوحا فى القيام بهذا الدور.
من هنا يمكن دائما الربط بين ما يقوم به من عمليات وما يجرى محليا وإقليميا ودوليا، حيث أصبح التنظيم جاهزا للقيام بعمليات لمن يدفع، فى محاولة للحصول على مكان، ويستغل الحرب فى أوكرانيا لإثبات وجوده فى سوريا، وكل هذه محاولات لأن تجد فلول التنظيم مكانا أو طرفا يمول، بما يشير إلى أن التنظيم يواجه أزمة، لكنه ما زال يمتلك بعض الإمكانات التى يحاول توظيفها لإعادة تقديم نفسه كتنظيم فى خدمة من يمول.
ورغم أن بعض الدول تراجعت علنا على الأقل من تمويل أو دعم داعش، لكن بعض هذه الدول لها مصالح قد تتطلب عمليات من داعش، أو غيره من التنظيمات الإرهابية التى فقدت قدراتها وتأثيرها كتنظيمات واضحة، واكتفت بأن تكون مجرد أداة تعمل لمن يمول أو يقدم ملاذات آمنة، وهذه التنظيمات أو فلولها هى التى يتوقع أن تقوم بعمليات هنا أو هناك، وتعلن مسؤوليتها عن عملية أو أكثر ضمن محاولة لاستمرار تدفق التمويل والسلاح أو ضمان أى سياق يمكن أن يكون قادرا على تعويض خسائرها وهزائمها على مدى السنوات الأخيرة.
وفى هذا السياق ربما يقوم التنظيم بعمليات ضد الدول والجهات التى لعبت دورا فى مواجهة التنظيم وتسببت فى اختراقه وإضعافه، وهو ما يجعل عمليات داعش هى علامات تراجع وتفكك للتنظيم، أكثر منها علامات قوة، ومن هنا يمكن النظر إلى داعش فى صورته الحالية.