"قرب واتفرج.. أفضل الماركات بأفضل الأسعار".. شعارات يرفعها البائعون فى الأسواق الشعبية لتسويق بضاعتهم لجذب أكبر عدد من المشترين كنوع من الإغراء بأن المنتجات تحقق المعادلة بأنها عالية الجودة، وفى الوقت نفسه سعرها رخيص مقارنة بغيرها من الأماكن.
"انفراد" أجرت تحقيقاً ميدانياً حول مدى إقبال أبناء الطبقات الراقية على تغيير وجهتهم إلى الأسواق الشعبية، فى ظل موجة ارتفاع الأسعار المتواصلة التى تضرب محلات وسط البلد والمهندسين.
وكالة البلح سوق يجذب أبناء الطبقة المتوسطة
داخل أحد المحلات فى وكالة البلح وقفت "منى"، التى لم تكمل عقدها الرابع، تنتقى ملابس تتناسب مع طفليها، قائلة، "الأسعار فى وسط البلد غالية جداً وجودتها متزدش عن هنا كتير، خصوصا أن معظم المنتجات المنتشرة فى الأسواق مصرية الصنع".
وعلى الرغم من أن وكالة البلح تكتسب شهرة واسعة باعتبارها السوق الأول فى مصر للملابس المستعملة ورخيصة الثمن، والتى تعتبر الملاذ لأبناء الطبقة الفقيرة، فإن ذلك لم يمنع "منى"، الموظفة فى ديوان وزارة التربية والتعليم، من الحضور إلى الوكالة للتسوق وشراء مستلزمات العيد فبحسب قولها فهى اعتادت على ذلك منذ عامين تقريبا، قائلة، "سيبك من سمعة الوكالة الملابس المستعملة دى كانت من فترة طويلة لكن دلوقتى الملابس كلها مصرية، ومن شركات كويسة، والجودة لا تقل كثيرا عن محلات المهندسين، لكن الأسعار هنا أقل لكن الموضوع بيحتاج مجهودا أكبر فى المحلات للعثور على قطع مميزة.
تبدأ أسعار الملابس المعروضة بمحلات وكالة البلح بحسب ما دون عليها من 20 جنيها لملابس الأطفال حتى 80 جنيها للقمصان الرجالى، وقد تصل إلى 100 جنيه للبلوزات الحريمى.
"منى" التى يبدو اهتمامها بنفسها وبطفليها وطريقة ملابسهما، أكدت أنها حددت 500 جنيه لشراء ملابس العيد لهما، وهو مبلغ كاف من وجهة نظرها لشراء ما يحتاجه صغيراها من ملابس العيد، كما يتناسب مع أسعار ملابس الوكالة.
لا يختلف موسم ملابس عيد الفطر عن موسم شراء ملابس المدرسة أو عيد الأضحى بالنسبة لعائلة "منى"، لأنها كما تقول وجدت ضالتها فى وكالة البلح التى تتيح لها الفرصة فى الحصول على ملابس ذات جودة مميزة قائلة، "هنا فى ملابس شيك ورخيصة.. أروح ليه للمحلات الغالية".
فيما يرى هشام مرسى، صاحب إحدى شركات بيع الأحذية بوكالة البلح، أن السوق فى الوكالة يتسع لجميع الزبائن، على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، بالإضافة إلى أن الزبون على درجة من القدرة تمكنه من التعرف على درجة جودة المنتج وتكلفته، مشيرا إلى أن بضاعة الوكالة من أحذية وملابس متنوعة المصادر والأسعار لتتناسب مع الجميع.
وأضاف "مرسى"، "الغلاء الآن لا يفرق بين غنى وفقير، وكل الناس مكوية بنار الغلاء، وهو ما يجعل من الأسواق الشعبية متنفسا جيدا للجميع لشراء مستلزمات العيد بسعر مناسب"، مشيرا إلى أن الحذاء ارتفع سعره ما بين 10 إلى 25 جنيهاً خلال الشهر الأخير فقط، بسبب الارتفاع المستمر للدولار، الذى يؤثر بشدة على أسعار المواد الخام اللازمة للصناعة.
وأكد "مرسى" أن حركة البيع والشراء لا تزال ضعيفة، والسبب ليس فى سعر الدولار فقط هو من يتحكم فى السوق، ولكن أيضاً امتحانات الثانوية العامة، التى تؤثر على المصريين من ناحية الدروس الخصوصية وتكلفتها على الأسرة، بالإضافة إلى أن الأسرة لا ترغب فى مغادرة المنزل أثناء الامتحانات لحين الانتهاء منها، وبالتالى تتأثر القوة الشرائية فى العيد، يحاول المهندس علاء أن يصل إلى سعر مناسب لعدد من القطع التى سيشتريها، فهو بحسب ما يقوله للبائع داخل أحد المحلات.
وهو ما يشير إليه بأن السمعة السيئة التى اكتسبتها الوكالة بأنها سوق للمستعمل فقط، هى سمعة أطلقها الإعلام ورسختها الدراما، لكن الواقع يشير إلى أن الوكالة بها منتجات ذات جودة جيدة وبأسعار مميزة عن أفضل أماكن بيع الملابس فى مصر، ويضيف أن فارق السعر بين بضائع الوكالة والأماكن الاخرى لا يتوقف على الجودة كما يروج البعض، ولكن بسبب تكلفة المكان المعروض فيه البضاعة، ففى الوقت الذى لن يتجاوز إيجار محل فى الوكالة ألفى جنيه شهرياً، فإن أقل محل خارج الوكالة يتجاوز إيجاره الشهرى نحو 5 آلاف جنيه.
وأضاف اعتدت شراء أى ملابس لأطفالى أو لأطفال جمعيتى الخيرية من الوكالة، بسبب ما توفره الوكالة من أسعار فى متناول المصريين، كما أن بها تصفيات لماركات عالمية بأسعار مميزة جدا.
وعلى الرغم من أن العيد لم يتبق عليه سوى أيام قليلة، إلا أن الوكالة بحسب الحاج عزت العمدة، صاحب أحد المحلات التجارية بالوكالة، تعانى من حالة ركود غير مسبوقة، ويتفق معه أحد البائعين يدعى أحمد قائلا، "زى الأيام دى السنة اللى فاتت مكنتش تعرف تحط رجلك فى الوكالة من كتر الزحمة، وكنا بنخزن بضاعة لآخر 10 أيام فى رمضان عشان ضغط ضغط الموسم".
العتبة البحث عن الماركة بسعر رخيص
تقف "هايدى"، التى يبدو عليها الثراء، غير مصدقة أن محلات الأحذية فى العتبة تضم ماركات معروفة، وهو ما يدفعها للاستفسار عن المنتج ما إذا كان مستوردا أم لا، وهل به عيوب تصنيع أو لا، لتصل إلى مرحلة معرفة السعر الحقيقى للحذاء، وهو ما يدفع محمد راجح صاحب أحد محلات بيع الأحذية بشارع الرويعى بالعتبة إلى مفاجآتها بأن لديه أحذية تبدأ أسعارها من 40 جنيهاً حتى تصل إلى 150 جنيهاً لجميع الماركات والموديلات.
تعتبر هذه المرة الأولى التى تفضل فيها "هايدى" النزول إلى العتبة لشراء ملابس العيد، ولاحظت ارتفاعاً مبالغاً فى الأسعار فى الأماكن التى كانت تشترى منها، ما دفعها إلى التوجه إلى العتبة، حيث إن فارق الأموال المدفوعة يعتبر الضعف أو أكثر.
وخصصت هايدى 200 جنيه لكل طفل من أطفالها الثلاثة لشراء ملابس وحذاء العيد، قائلة إن هذا المبلغ كان سيصل إلى 600 جنيه وأكثر لكل منهم فى حال الشراء من أى من الأماكن الراقية التى اعتدت الشراء منها، قائلة، "يجب أن يغير الزبون الصورة الذهنية السيئة عن البضائع الموجودة فى العتبة".
أما محمد عبد الله، الموظف بإحدى الشركات الخاصة، فيرى أن الملابس أو الأحذية الموجودة فى العتبة تجارى الموضة وترضى غرور الأطفال وبأسعار جيدة، كما أن هناك محلات تبيع منتجات تصفيات لماركات مشهورة بأسعار قليلة، قائلا، إن من يأتى إلى العتبة يبحث عن قطع ملابس جيدة بأسعار مناسبة، مشيراً إلى أن العتبة أصبحت مكانا جاذبا لأبناء الطبقات الراقية وليست فقط المتوسطة أو الشعبية.
محمد عبد الله، الذى يصطحب نجليه لشراء مستلزمات العيد، يرى أن العتبة ستوفر معه النصف تقريباً، فسعر القميص لا يزيد عن 60 جنيهاً، على الرغم من أن سعره فى أى مكان خارج العتبة لن يقل عن 120 جنيهاً.
الجيزة سوق الطبقة المتوسطة الذى تحول إلى شعبى
يخطف الباعة الجائلون بشارع سعد زغلول بسوق الجيزة النظر بمجرد أن تطأ قدماك السوق الذى يضم عدداً من المحلات الكلاسيكية القديمة التى يرتادها عدد من أبناء الطبقة المتوسطة، فبحسب ما يقوله مصطفى حسين العامل فى أحد محلات سوق الجيزة، إن الأصل هنا فى السوق لأبناء الطبقة المتوسطة وليس الشعبية، ولكن وجود الباعة الجائلين يزيد من شعبية السوق.
ويضيف المعروض فى سوق الجيزة ليس به فارق كبير، خصوصا أن معظم المنتجات مصرية الصنع بسبب القرارات الأخيرة بتعديلات الجمارك على الملابس الجاهزة المستوردة، مضيفا لدينا ما يناسب جميع المستويات.
وهو ما يشير إليه أيمن طه، محاسب فى إحدى الشركات، بأن السوق به عدد كبير من المنتجات الجيدة التى تتناسب مع الجميع، مشيرا إلى أن السوق يكتسب شهرة من زمن بعيد، مضيفا أن الأسعار زادت فى جميع الأسواق حتى محلات شارع سعد زغلول، ويضيف أبحث عن المنتجات المستوردة أو المصرية ذات الجودة المميزة، والأسعار البسيطة، مش الأسعار النفخ زى اللى بيحصل فى وسط البلد.
شارع همفرس
على عكس حالة الركود التى أصابت العديد من الأسواق، إلا أن شارع همفرس ببولاق الدكرور كان غير ذلك، فالحركة بحسب حمدى أحمد، أحد البائعين، تصل إلى حوالى 65% عن العام الماضى، مشيراً إلى أن امتحانات الثانوية العامة وزيادة الأسعار تسببت فى ضعف الموسم نوعا ما، إلا أن حالة البيع والشراء أفضل من العام الماضى، موضحا أن الأسعار تدفع الشباب إلى الشراء من محلات شارع همفرس بدلا من فيصل أو الهرم أو المهندسين أو حتى وسط البلد، وأن ما يعرضه من ملابس يتناسب مع جميع الطبقات، بالإضافة إلى الجنسيات المختلفة من سودانيين أو صوماليين، وعن الأسعار التى ارتفعت بنحو 30% عن العام الماضى يقول حمدى إن الزبون خد على الغلاء الذى يحاصره من كل جانب، مؤكداً أن أغلب زبائنه من الشعبى.
شعبة الملابس: الركود يضرب الأسواق و30% ارتفاعا فى الأسعار
من جهته صف يحيى زنانيرى، نائب رئيس شعبة الملابس بغرفة الملابس بالاتحاد العام للغرف التجارية، حالة الركود التى ضربت سوق الملابس العام الجارى بأنها غير عادية، بدأت من أول الموسم، ولم تشهد أى انتعاش حتى فى أعياد شم النسيم والإخوة المسيحيين، واستمرت هذه الحالة حتى الآن، ولم يسهم قرب عيد الفطر بإحداث أى انتعاش بالسوق.
وقال زنانيرى لـ"انفراد"، إن تراجع المبيعات خلال موسم العيد الحالى مقارنة بالعام الماضى بلغت نسبته التقديرية 50%، وهو ما أرجعه لتراجع القوة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع سعر الدولار، وبالتالى زيادة كافة أسعار السلع والخدمات التى يشتريها المواطنون، ما جعل شراء الملابس يأتى فى أولوية متأخرة.
وشهدت أسعار الملابس الجاهزة ارتفاعاً بنسب تراوحت بين 20 – 30% بعد ارتفاع سعر الدولار وزيادة التعريفة الجمركية – حسب زنانيرى – سواء بالنسبة للملابس محلية الصنع أو المستوردة.
وأكد نائب رئيس شعبة الملابس الجاهزة أن هذه الزيادة بالنسبة للمنتج محليا، بزيادة أسعار مدخلات الصناعة من قماش وكهرباء وأصباغ وأجور العمال، وغيرها من المستلزمات، وبالتالى طالت الزيادة كلا من المصنع محليا، والمستورد بالطبع بسبب زيادة الدولار والجمارك.
وتوقع "زنانيرى" أن تستمر حالة الركود لفترة لم يحددها، خاصة أنه من غير المنتظر حل أزمة الدولار فى الوقت الحالى، وهو ما يعنى استمرار تراجع القوة الشرائية للمواطنين نتيجة ارتفاع كافة أسعار السلع، وهو ما يتسبب فى خسائر لقطاع صناعة وتجارة الملابس الجاهزة والذى سيصعب عليه تعويضها فى ظل الأزمة الحالية.