لليوم الثالث على التوالى احتل اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا حيزا واسعا من التغطية الإعلامية فى جميع وسائل الإعلام والصحف الإسرائيلية، حيث عكست الخلاف الحاد داخل المجلس الوزارى الإسرائيلى المصغر للشئون الأمنية والسياسية "الكابنيت" على هذا الاتفاق الذى وقعه المدير العام لوزارة الخارجية دورى جولد، صباح أمس الثلاثاء، قبل إحضاره للنقاش والتصويت فى المجلس الوزارى.
وذكرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، أنه مقابل توقيع جولد على اتفاق المصالحة مع تركيا، فى وزارة الخارجية على مستوى إعلامى منخفض، وبدون حضور صحفيين، تم فى وزارة الخارجية التركية فى أنقرة، توقيع الاتفاق من قبل نائب وزير الخارجية، المنتهية ولايته، فريدون سينرلى أوغلو، الذى ترأس طاقم المفاوضات التركى فى محادثات المصالحة، مشيرة إلى أنه طرح الاتفاق اليوم أمام المجلس الوزارى المصغر فى إسرائيل لمناقشته والتصويت عليه.
وصادق المجلس الوزارى ظهر اليوم على الاتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، حيث أبدى 7 من الوزراء تأييدهم للاتفاق فيما عارضه 3 وزراء وهم وزير الدفاع أفيجادور ليبرمان ووزيران من حزب "البيت اليهودى" اليمنى المتشدد، نفتالى بينت وإياليت شاكيد.
وزراء ضد الاتفاق
وكان قد أعلن وزيرا "البيت اليهودى" أمس، أنهما سيصوتان ضد الاتفاق، بالإضافة إلى ليبرمان، حيث قال بينت فى بيان له إنه على الرغم من أهمية المصالحة مع تركيا، إلا أنه يعارض غياب الالتزام التركى بالعمل لإعادة الإسرائيليين المفقودين فى غزة، إبرا منجيستو وهشام السيد، وجثتى الجنديين هدار جولدين وأورون شاؤول، مضيفا: "إن دفع التعويضات لمنفذى العمل ضد جنود البحرية تعتبر عار وسابقة خطيرة".
وفى المقابل قال مسئول إسرائيلى رفيع مقرب من نتانياهو: "إن بعض وزراء المجلس الوزارى المصغر يعملون وفق معايير حزبية بدل المعايير السياسية والأمنية، التى يجب النظر من خلالها إلى اتفاق المصالحة"، مضيفا: "عدد كبير من الوزراء يعرفون إن هذا الاتفاق جيد، لكنهم يخافون من أن يقال عنهم بأنهم يساريون".
وأشارت هاآرتس إلى أن مسألة المصالحة مع تركيا لم تناقش فى المجلس الوزارى خلال الأشهر الأخيرة، وكان الوزراء يستمعون بين الحين والآخر إلى استعراض موجز من قبل نائب رئيس مجلس الأمن القومى يعقوب نيجل، وفى يومى الأربعاء والخميس الماضيين، قبل جولة المفاوضات الحاسمة فى روما، أجرى نيجل اتصالات مع الوزراء، باستثناء ليبرمان الذى تواجد فى الولايات المتحدة، واطلعهم على مبادئ الاتفاق ومحاولة الحصول من الأتراك على رسالة بشأن المفقودين والجنديين.
ويوم الاثنين، فى أعقاب المؤتمر الصحفى الذى عقده نتانياهو فى روما وأعلن خلاله عن الاتفاق، اتصل سكرتير الحكومة، دافيد شران، بأعضاء المجلس الوزارى المصغر، ونقل إليهم طلبا من رئيس الحكومة بعدم إطلاق تصريحات بشأن الاتفاق قبل إطلاعهم على النص الكامل، وتم تحويل النص إلى الوزراء بعد ظهر أمس، إثر توقيعه رسميا من قبل جولد.
وأوضحت الصحيفة العبرية أنه ليلة أمس الأول، اتصل بينت بالقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومى نيجل، وطلب منه إطلاعه على الاتفاق النهائى، وبعد فهمه بأنه لم يطرأ تغيير ملموس على الاتفاق قرر معارضته.
وفى السياق نفسه، ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن وزراء فى المجلس الوزارى المصغر يرون أنه تم التعامل معهم كـ"ختم مطاط"، وأنه لم يتم مناقشة هذا الموضوع فى المجلس الوزارى من قبل وأنهم تسلموا الاتفاق يوم أمس، فقط.
وقال أحد الوزراء: "كيف يحضرون قرارا كهذا إلى المجلس الوزارى لمناقشته فى الدقيقة التسعين.. إنهم يمارسون علينا الضغط كى نصادق على الاتفاق بعد أن سمعنا بأنه تم توقيعه".
وقال وزراء اطلعوا على الاتفاق، أنه خلافا لما قاله رئيس الحكومة خلال المؤتمر الصحفى فى روما، فإن الاتفاق لا يتضمن أى التزام تركى بعدم إرسال المزيد من الأساطيل إلى إسرائيل أو العمل ضد إسرائيل على الحلبة الدولية، ولا يوجد فى الاتفاق أى ذكر لاسم حماس، لكنه كتب فيه أن الأتراك يلتزمون بمنع تنظيمات الإرهاب من العمل ضد إسرائيل من الأراضى التركية.
فى المقابل بعث النائب نحمان شاى من كتلة "المعسكر الصهيونى" برسالة إلى رئيس لجنة الخارجية والأمن، جاء فيها أن "تجاهل الحكومة للكنيست وصل إلى قمة جديدة من السخرية، الاتفاق الاستراتيجى البالغ الأهمية مع تركيا مر بواسطة شبح نتانياهو من تحت رادار الكنيست.
عائلات المفقودين فى غزة يرفضون الاتفاق
وقالت "يديعوت أحرونوت" إن عائلات الجنود الإسرائيليين جولدين وشاؤول ومنجيستو، لا تتخلى عن محاولة شمل إعادة أبنائهم من غزة فى إطار الاتفاق مع تركيا، رغم توقيعه، مشيرة إلى أن العائلات الثلاث تنوى محاولة إقناع الوزراء بالوقوف إلى جانبها.
وكانت العائلات قد التقت، أمس، بالأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، وأجرت معه محادثة وصفت بالمؤثرة. وقالت العائلات لمون: "أنت بادرت إلى وقف الاتفاق الذى تم استغلاله من قبل حماس لاختطاف هدار جولدين، الآن نطلب منك التدخل، كما يحق لغزة ترتيب انسانى تحق لنا ايضا مساعدة إنسانية".
وعرضت الصحف الإسرائيلية، أهم بنود الاتفاق الذى دخل حيز التنفيذ، والتى جاءت كالتالى:
أهم بنود الاتفاق:
1- تمرير قانون فى البرلمان التركى يلغى الدعاوى القضائية التى تم تقديمها ضد الجنود الإسرائيليين الذين تورطوا فى السيطرة على الأسطول، ومنع تقديم دعاوى فى المستقبل، فى هذا الشأن.
2- التزمت تركيا بمنع أى نشاط عسكرى ضد إسرائيل من على أراضيها، بما فى ذلك جمع الأموال لهذه الأهداف. والمقصود فى الأساس القيادة العسكرية لحماس فى تركيا، التى تطالب إسرائيل بإغلاقها، وستواصل تركيا السماح لمكاتب حماس بالعمل على أراضيها، ولكن فى النشاط السياسى فقط.
3- تخلت تركيا عن مطلب رفع الحصار الكامل عن غزة. "الاتفاق يحافظ على الحصار البحرى الأمنى على غزة الذى يمنع تضخم قوة حماس، حسب قول نتنياهو، والذى أضاف: "لم أكن مستعدا للتسوية فى هذا الأمر".
4 - استعداد إسرائيلى للسماح لتركيا بدفع سلسلة من المشاريع الإنسانية فى غزة، إنشاء مستشفى، محطة طاقة، ومنشأة لتحلية مياه البحر. وقد قال رئيس الحكومة التركية فى المؤتمر الصحفى الذى عقده فى أنقرة، أن أول سفينة تركية وعلى متنها 10 آلاف طن من المساعدات الإنسانية ستخرج إلى ميناء أشدود مساء الجمعة المقبل.
5- إسرائيل ستحول تعويضات قيمتها 20 مليون دولار إلى صندوق إنسانى سيقام فى تركيا، لتحويل الأموال لعائلات المواطنين الأتراك الذين قتلوا وجرحوا على متن السفينة. وقال مسئول إسرائيلى رفيع أمس الأول، إنه سيتم تحويل المبلغ فقط بعد مصادقة البرلمان التركى على إلغاء الدعاوى القضائية ضد الجنود الإسرائيليين.
6- فور التوقيع على الاتفاق ستبدأ عملية تطبيع العلاقات، بما فى ذلك تعيين سفيرين جديدين وإزالة القيود المفروضة على التعاون بين البلدين.
وكان قد اعتبر مسئولون أتراك الاتفاق بمثابة إنجاز دبلوماسى لتركيا التى حافظت على موقف مبدئى وصارم" منذ أحداث الأسطول فى 2010، على حد تعبيرهم، وباستثناء المساعدات التى ستحولها تركيا إلى غزة، يشمل الاتفاق استعداد إسرائيل للسماح لتركيا بإقامة مشاريع أيضا فى المنطقة الصناعية فى جنين، فى الضفة الغربية.
جنود البحرية يرفضون الاعتذار
وقالت "يديعوت أحرونوت" إن جنود البحرية الذين تواجدوا على سطح سفينة مرمرة، وتلقوا الضربات، ونشرت صورهم فى العالم كله، وترسخ الحادث فى وعى أفراد وحدة النخبة هذه، وهؤلاء تلقوا نبأ التوصل إلى اتفاق المصالحة مع تركيا بمشاعر مختلطة، إنهم يصرون على أنه ليس لديهم ما يعتذرون عنه، لكن غالبيتهم يقولون إنهم سيواصلون قدما ولا ينشغلون بكرامتهم.
وقال أحد جنود البحرية رفض ذكر اسمه للصحيفة العبرية: "هذا الحادث كان صعبا لنا، رغم أنه مضت ست سنوات إلا أن الجرح لم يلتئم"، مضيفا: "آمل أن يكون هذا الاتفاق مجديا وأن تكون معايير رئيس الحكومة نابعة من مصلحة الدولة وليس من مصالح سياسية، أنا لا أعرف ما هى المعايير الحقيقية التى قادت إلى القرار.. أحداث ذلك اليوم لا تزال ترافقنى، لقد أصبت خلال السيطرة على السفينة بجراح لا زلت أعانى منها حتى اليوم، ولكن إلى جانب ذلك، أنا مستعد للتخلى عن كرامتى والصفح من أجل مستقبل أولادى وأحفادى، هل أقول بأن هذا الاتفاق جيد بالنسبة لى؟ لا بتاتا".
الاتفاق سيدفع التبادل التجارى
فيما قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" إنه من المتوقع أن يوفر اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا دفعة قوية للتبادل التجارى بين إسرائيل وتركيا، وذلك بعد انخفاض التجارة بين البلدين فى عام 2015 بنسبة 24%، مقارنة بعام 2014، ليبلغ حوالى 4.1 مليار دولار.
وقال أورى الدوبى، رئيس اتحاد صناعة التنقيب عن النفط والغاز فى إسرائيل، إن "الاتفاق يخلق فرصة تاريخية للتعاون الإقليمى فى مجال الطاقة، سوية مع قبرص ومصر، أيضا لاحتياجات الدول وكمحطة على طريق أوروبا"، وحسب أقواله فإن تركيا التى تستهلك حوالى 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعى فى السنة، تعتمد اليوم على الغاز الروسى والإيرانى".
ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن تصدير البضائع من إسرائيل إلى تركيا انخفض فى 2015 بنسبة حوالى 40%، وبلغ حوالى 1.7 مليار دولار، كما تم تسجيل انخفاض فى الواردات من تركيا بنسبة حوالى 9%.