تظل أهم خطوة فى الدعوة للحوار الوطنى أنها فتحت الباب لمناقشات وآراء متنوعة، وهذا فى حد ذاته يمثل نقطة إيجابية، والأهم هو بناء الثقة وإقامة جسور بين الدولة والتيارات السياسية والمنظمات الأهلية، وهذه الثقة هى الأرضية التى يمكن أن تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، واستعادة وحدة الصف لتحالف 30 يونيو، باعتبار الحوار مشروطا بالاعتراف بدستور 2014، لأن بناء الثقة يسمح باتساع مجال التفاهم وتحديد نقاط أساسية، وبعد إقامة هذه الجسور يمكن أن تكون هناك مساحات للتفاهم والتحاور، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك خلافات بين التيارات السياسية والحزبية حسب توجهاتها، لكن نجاح الحوار هو قدرة كل هذه التيارات على تقبل بعضها، بحثا عن مطالب تحظى بتوافق، دون الدخول فى مواجهات واشتراطات قد تشتت الأمر، وأن تكون هذه التيارات مستعدة لتقبل الأسئلة، حول نفسها ووزنها النسبى، وربما أيضا اعتبار الحوار يشمل قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية، بين تيارات لها انتماءات متنوعة، يسارا ويمينا.
الدولة، من جهتها، بدأت خطوات متقدمة فى الملف، أهمها أن الدعوة للحوار انطلقت من الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى إفطار الأسرة المصرية، واتخذت خطوات تنفيذية بتكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بإدارة الحوار، كجهة محايدة ولديها سوابق فى التنظيم، الدولة أيضا قدمت خطوات إيجابية فى ملف المحتجزين، بإطلاق سراح أعداد وفى الطريق آخرين، ثم إن الدولة لديها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتى تمثل أرضية للنقاش فى ملف مهم هو الملف الحقوقى الذى يتضمن رؤية شاملة لحقوق الإنسان، يمكن البناء عليها، وهى نقطة حظيت باتفاق من أغلب من طرحوا آراءهم ومواقفهم من الحوار، حيث اعتبروا الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان حال تنفيذها يمكن أن تمثل حلا للكثير من النقاط فى هذا الملف، مع الجمع بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وحريات الرأى والحقوق السياسية.
من جهتها، فإن الدولة قدمت خلال الأيام التى تلت دعوة الرئيس للحوار، خطوات جادة تؤكد صدق النية والرغبة فى الحوار بشكل حاسم، حيث تم إطلاق سراح مئات من المحتجزين بناء على عمل لجنة العفو الرئاسى، وهناك قوائم أخرى فى الطريق، وأبدت الدولة استعدادا لتطبيق الحوار من دون تمييز مع كل من لم يرتكب العنف أو يحرض عليه، وعقد مؤتمر للحكومة أعلنت فيه الاتجاه لتوسيع مشاركة القطاع الخاص وخفض الدين، والاستمرار فى مبادرة حياة كريمة، وهى مبادرة تحظى بتوافق من أطراف عديدة، باعتبارها تتعلق بأغلبية المصريين فى القرى والتوابع، وما تحقق فى العشوائيات، ومقترحات عملية لتطوير التعليم والعلاج وتوفير موازنات لها.
ومن متابعة المناقشات التى تمت فى برامج أو طرحها البعض على مواقع التواصل، فإن هناك تنوعا بعضه يحدد القضايا، والبعض يتوسع أو يضيق فى طرح أفكار ومطالب، وربما يكون هنا تساؤل لبعض هؤلاء عما إذا كان لدى المطالبين بالحوار والمشاركين فيه استعداد للتقدم خطوة مقابل ما قطعته الدولة من خطوات، وإذا كانت الدولة تستجيب وتطرح النقاش حول المستقبل والعمل السياسى وتوسيع المجال العام وفتح آفاق التفاهم، فإن التيارات نفسها يفترض أن تكون تغيرت هى الأخرى باتجاه تفهم أكثر لما تم فى القضايا الرئيسية، وربما تكون التيارات السياسية بحاجة إلى مواثيق شرف تحكم أسلوب تعاملها مع بعضها ومع الدولة، وتستفيد من فرصة متاحة، يمكن أن تكون أساسا للبناء عليها، والاستفادة من تجربة 12 عاما جرت فيها تحولات كثيرة محليا وإقليميا ودوليا، وهناك أجيال كبرت ونضجت خلال هذه الفترة، بما أضيف لخبراتهم وحياتهم العملية، ومنهم ملايين على مواقع التواصل ربما يكون مهما جذب عدد منهم إلى العمل السياسى، أو جذبهم إلى حوارات قد تكون مهمة، مع أجيال لديها تطلعات وآراء قد تختلف أو تتفق، ومنهم من هم خارج نطاق الواقع، وأقرب لعالم افتراضى.. الحوار فرصة سانحة لمرحلة تبنى على ما تحقق، نحو دولة مدنية ديمقراطية حديثة.