على مدار أيام، استمعنا إلى آراء متعددة مطروحة حول الحوار الوطنى، فى منتديات أو جلسات أو برامج فضائية، شارك فيها سياسيون وبرلمانيون وإعلاميون ونشطاء، أدلى كل منهم برأيه وما يراه من أولويات أو خطوات أو اقتراحات للحوار، قليلون قدموا رؤى متماسكة، وكثيرون قدموا كلمات ربما تشير إلى انهم لم يستعدوا، فقدموا كلاما جاهزا لا يتجاوز كونه شرحا لواقع أو فكرة غير متبلورة، بما يحول دون تفهمها، فضلا عن التفاعل معها، لكن أهم ما جرى فى الأيام التى تلت المبادرة، أن ممثلين لأحزاب أو تيارات، تحدثوا فى كل القضايا، من السياسة للاقتصاد وحرية التعبير، أو ما يسميه البعض «فتح المجال العام».
بالطبع لم يبدُ أن هناك اتجاها للأحزاب لتجلس معا، وتضع أجندة، أو تعلن الموضوعات التى يكون هناك اتفاق حولها، لتجمع الكل فى حوار يشمل الجميع، بحيث يكون حوارا وطنيا يتجاوز السياسى إلى الاجتماعى، واكتفى كل تيار أو متحدث بتقديم وجهة نظره، من دون القدرة على بلورة رؤية، لكن الحوار فى حد ذاته على الشاشات أو المواقع، هو خطوة تسهل التفاهم بعد فترة بين الأحزاب وبعضها أو والحكومة.
بعض من تحدثوا أعلنوا أنهم ينطلقون من الحاضر وبناء على ما تحقق خلال 8 سنوات، والبعض يتحدث فى إعادة لبيانات أو بوستات تخاطب جمهورا افتراضيا أكثر مما تتوجه الى جمهور واقعى، لديه هو الآخر آراء ومطالب وتصورات، ربما تختلف عما ترى الأحزاب أنه أولوية، مع الأخذ فى الاعتبار أن هذا الجمهور من المواطنين بالتأكيد تابعوا ما جرى على مدار 12 سنة من تغيرات وحوارات وخطوات فى مستوى السياسة والاقتصاد.
وعلى المتحاورين أن يغيروا من طريقة لم تُثبت نجاحها على مدار السنوات الماضية، بل إن إدارة الظهر لما يجرى، لا تعنى أن شيئا لم يتحقق، خاصة أن السنوات الماضية شهدت العديد من الخطوات فى الاقتصاد ومشروعات البنية الأساسية، والصناعة والزرعة، ومبادرات صحية نجحت فى القضاء على فيروس الكبد الوبائى، والذى كان كارثة، وما تحقق فى نقل سكان العشوائيات إلى مجتمعات إنسانية حديثة، كاملة الخدمات والرعاية التعليمية والصحية، وهى خطوات كانت تمثل مطالب مستحيلة التحقق خلال هذه المدة، مع خطوات فى الحماية الاجتماعية، ومبادرة «حياة كريمة» التى تعيد صياغة القرى والتوابع، بالمرافق والخدمات، وبشكل غير مسبوق على مدار عقود.
إقليميا لا يمكن تجاهل ما جرى فى الدول التى تعرضت لتفكيك، واحتراب أهلى، وصراع طائفى وعرقى، أطاح بالدول، وأدخلها فى فوضى عارمة، لا تبدو لها آفاق حل، وأكبر أحلام تلك الدول أن يتوقف الصراع ليجلس المواطنون معا، ويفكروا فى كيفية بناء الدولة من الصفر.
هذه الخطوات يفترض أن توضع فى اعتبار من ينضمون للحوار، باعتبارها خطوات مهمة تتعلق بجزء من مطالب سياسية واجتماعية على مدار ثلاثة عقود، وتم إنجاها خلال خمس سنوات فقط، وبالطبع فان بعض الذين تحدثوا حول الحوار لم يقتربوا من هذا خوفا من أن يتهموا من قبل مزايدى السوشيال ميديا أو بعض ممن يشعرون بالاستبعاد، ويبحثون عن لقطة، بينما المفروض أن يكون القائد أو السياسي، قادرا على طرح ما يعتقد وليس ما يطلبه المستمعون، بل إن هناك من يتحدث بخطاب أمام الكاميرا يخالف ما يطرحه بعيدا عن الكاميرات أو مواقع التواصل، وهى ازدواجية ربما تقوم على تردد سببه تراكمات سنوات من الابتعاد والعزلة.
وإذا كان بعض من طرحوا آراءهم فى الحوار، يعلنون حرصهم على إنجاح الحوار، فإن هذا النجاح فى جزء كبير منه يقوم على استغلال أرضية مشتركة، مهدت لها خطوات سبقت وتبعت مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إفطار الأسرة المصرية، سواء بخروج عدد من المحتجزين، والاتجاه لخروج المزيد منهم، وإعلان الحكومة لإجراءات التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها فى كل دول العالم، فى بادرة من الدولة والتأكيد على أن الدعوة للحوار تشمل كل الأطراف السياسية والأهلية من دون استبعاد أو تمييز، وهو ما يمثل جسرا مفتوحا يستوعب الجميع.