سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 21 مايو 1799.. نابليون بونابرت يفشل فى دخول عكا بعد حصارها أكثر من شهرين.. وأحمد باشا الجزار يعيده مهزوما إلى مصر

عقد نابليون بونابرت، قائد الحملة الفرنسية على مصر والشام مجلسا حربيا مع قواده، للتداول فى أمر حصار عكا، فاستقر الرأى على رفع الحصار فى 21 مايو، مثل هذا اليوم، 1799، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى، فى الجزء الثانى من موسوعته، «تطور نظام الحكم فى مصر»، مشيرا إلى أن هذا القرار جاء بعد 62 يوما من الحصار للبلدة. بدأ «بونابرت» حصار عكا يوم 19 مارس 1799 بعد أن استولى قبلها على «يافا» دون مقاومة، غير أنه فوجئ حين وصل إلى «عكا»، بأن وجدها بلدة محصنة، وعزم الجنود العثمانية بقيادة أحمد باشا الجزار، على الدفاع عنها بكل ما لديهم من قوة، وفقا للرافعى، مضيفا: «جعل نابليون عكا هدفا لهجومه إذ كان الاستيلاء عليها يفتح أمامه طريق سوريا، ويقضى على نفوذ «الجزار» فى تلك الجهات، ثم جعل يعد المعدات لأخذها عنوة، فضرب أسوارها وأبراجها بالمدافع، ودارت معركة طاحنة ين الفرنسيين وجنود الحامية ارتد على أثرها الفرنسيون بعد أن نالتهم خسائر فادحة». يذكر «الرافعى» أن «نابليون» كان يعتقد أن الاستيلاء على عكا لا يكلفه أكثر من أخذ يافا، ولكن تبين من ارتداده عنها أنها ممتنعة حصينة فى حاجة إلى جهود كبيرة لفتحها، وكان ارتداده عنها أول هزيمة منى بها جيشه فى الحملة على سوريا، فأثرت فى نفسه تأثيرا كبيرا، وخشى عواقبها فى مصر، فشدد الحصار على المدينة، وأعد المعدات لهجوم ثان أقوى من الأول وحاول اقتحامها بقوة المدفعية والجنود يوم أول أبريل 1799، واستطاع أن يفتح ثغرة فى أسوارها، ولكن جنود الحامية دافعوا عنها دفاع المستميت، فأمر نابليون جيشه بالارتداد عنها، وخاب فى هذا اليوم مثل خيبته فى هجومه الأول. تكررت محاولات اقتحام المدينة لكنها باءت بالفشل، وكان أحمد باشا الجزار، هو بطل وقائد المقاومة ضد الفرنسيين، ويقدم «الجبرتى» نبذة عنه فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار»، وينقلها «الرافعى»، قائلا: «أصله من بلاد البوشناق (البوسنة) وخدم عند على باشا حكيم، والى مصر العثمانى، وحضر معه إلى مصر عام 1757، فتشوقت نفسه إلى الحج واستأذن مخدومه فأذن له، وأوصى به أمير الحج صالح بك القاسمى، وأخذه معه وأكرمه رعاية لعلى باشا، ورجع معه فوجد على باشا قد انفصل عن ولاية مصر، فاستمر «الجزار» فى مصر وتزَيَّا بزى المصريين، وخدم عبدالله بك، تابع الأمير على بك الكبير، وتعلم الفروسية على طريقة المماليك، وحدث أن على بك أرسل عبدالله بك بتجريدة إلى عرب البحيرة فقتلوه، ورجع أحمد باشا مع باقى رجاله إلى القاهرة، فقلده على بك، كشوفية البحيرة، وطلب منه أن يثأر لأستاذه ممن قتلوه، فذهب إليهم وخادعهم وجمعهم فى مكان واحد وقتلهم وهم نيف وسبعون رجلا، ومن ذلك لقب بالجزار، فالجزار هو إذن من أتباع على بك الكبير وكانت نشأته الأولى فى مصر، يضيف «الجبرتى»: «طلب على بك منه أن يعينه على الغدر بصالح بك القاسمى فلم تطعه نفسه وخرج من مصر هاربا، ثم عاد إلى البحيرة وأقام مع عرب الهنادى وتزوج هناك، ثم سار إلى بلاد الشام واشتهر أمره، وقلد الوزارة، وأقام فى حصن عكا وعمر أسوارها وقلاعها، واستكثر من شراء المماليك، واشتهر بالقسوة والظلم ومات فى 1804». يستكمل سيرته «ج. كرستوفر هيرولد»، فى كتابه «بونابرت فى مصر»، ترجمة، فؤاد أندراوس، مراجعة، دكتور محمد أحمد أنيس، قائلا: «يبدو أنه كانت له جوانبه الطيبة، فكان يطعم الفقراء، ويوظف من شوه أجسادهم، ويزوج أرامل الرجال الذين قتلهم، كان ذا خلق قوى، وأشد الولاة الأتراك المعاصرين له حبا للقتال والمشاكسة، واكتسب فيما يقرب من ستين عاما حسا سياسيا مرهفا أنبأه بأن الجنرال بونابرت لا يمكن الوثوق به حليفا». تضافرت الظروف كى يحسن «الجزار» فى دفاعه عن عكا، حيث كون فريقا مع السرسدنى سميث، قائد الأسطول البحرى الإنجليزى، والكولونيل فيليبو، وهو ضابط فرنسى، ذكر «الرافعى» أن «سميث» منع وصول مدافع الحصار إلى الفرنسيين بطريق البحر، أما الفرنسى «فيليبو»، فكان زميلا لـ«بونابرت» فى الدراسة، وملكيا خصما للجمهورية الفرنسية، وهاجر من فرنسا، وكان على جانب عظيم من الكفاءة الحربية، فقدمه «سميث» إلى «الجزار» ليشد به أزره فى الدفاع عن عكا، فأدى أحسن الصنيع، ومات قبل ارتداد الفرنسيين عنها. يذكر «هيرولد»، أن «بونابرت» أمر بقذف عكا بجميع ما يملك من مدافع، لا سيما قصر «الجزار» أربعة أيام متوالية من 12 إلى 15 مايو، وهدفه، أولا، إخفاء استعداداته لرفع الحصار، وثانيا، إصابة المدينة بأبلغ الأضرار ما دام مضطرا لترك مدفعيته الثقيلة وذخيرته، وثالثا، أن يستطيع أن يعلن على الملأ أنه دمر عكا.



الاكثر مشاهده

رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء

كبار فقهاء الأمة الإسلامية يجتمعون تحت مظلة المجمع الفقهي الإسلامي

بدعوة من دولة رئيس الوزراء الباكستاني.. العيسى خطيباً للعيد بجامع الملك فيصل فى إسلام آباد

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

;