القصة ليست جديدة، لكنها تتكرر، تتغير الأماكن ويتبدل الأشخاص، من بحرى إلى قبلى، ومن الشمال للجنوب، نحن أمام مأساة كوميدية، تتكرر بشكل شبه شهرى، أو أسبوعى، فى كل أرجاء البلاد، وكأن الضحايا لا يقرأون ولا يصدقون مئات القصص لنصابين خدعوا الناس واستولوا على أموالهم بكل سهولة ومن دون مجهود، فالناس يسيرون بكل إرادتهم ليمنحوا أموالهم للنصاب بكل ارتياح، طمعا فى ربح لا يمكن تصوره بالعقل، ولا بالقليل من المنطق، غير استعداهم لتصديق الشائعات والخرافات التى يرددها مدعون أمام سذج، ومع هذا يصدقون.
وآخر هذه القصص ما سمى «مستريح أسوان»، و«مستريح إدفو» وبعده فى الشرقية، وغيرهم ممن جمعوا مئات الملايين، وفى روايات بعضهم مليارات، من ضحاياهم وهربوا أو اختفوا، وخسر المئات أموالهم، ولم يحتج هؤلاء النصابون جهدا مثل أوائل النصابين، تكفى عدة شائعات ليهرول إليهم البعض، ويجرى ريقهم على مكسب غير معقول.
لقب «المستريح» عرف قبل عدة سنوات، عندما ظهر نصاب اسمه المستريح، واستمر الاسم مع كل نصاب، مع أن القضية معروفة منذ منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، عندما ظهرت عصابات توظيف الأموال، كان الريان وزملاؤه أشهر قصة نصب باسم توظيف الأموال، حصل على مئات الملايين، ووظف مسؤولين وشخصيات عامة وشيوخا ونوابا للدعاية، انهارت إمبراطوريته، وتوهم البعض أنه تعرض لمؤامرة، وسعيد الحظ هو من حصل على ربع ما دفعه طوبا وزلطا وورقا ومنظفات، من يومها يتكرر النصابون، وقبل أعوام ظهروا فى حلوان والغربية والإسكندرية، ومستريح الصعيد عام 2015، والذى جمع مليارات وهرب.
وتصعب معرفة كم مرة خلال العام يقع المواطنون فى بحرى والصعيد ضحايا توظيف أموال كاذب، وبالرغم من قصص النصابين الذين يجمعون أموال الضحايا ويهربون، واستحالة أن تربح الأموال نفس قيمتها، أو حتى نصفها فى عام، إلا أن هناك من يصدق أن الألف جنيه يمكن أن تلد مثلها فى شهر واحد! وهو أمر بالرغم من عدم معقوليته يجد من يصدقه، بل ويسارع بمنح أمواله وتحويشة عمره للنصاب ليهرب بها، وهؤلاء المخدوعون على مدار سنوات لا يتعلمون من سابقيهم.
وطبعا القانون يجرم توظيف الأموال، لكن غالبا ما تتم العلاقات بالرضا، وفى سرية، حيث يحرض المودع على أن يحظى بالمكاسب وحده، بعيدا عن أعين الحكومة، فإذا ضاعت تحويشة عمره يسارع إلى الحكومة، لتعيد إليه المال الطائر، بل إن بعض رجال الشرطة فقدوا حياتهم مؤخرا أثناء مطاردة نصاب أسوان، والذى تحول من سائق توك توك إلى ملياردير بالنصب، بعيدا عن الأعين وتوالى سقوط الضحايا، وخرج بعضهم عن شعوره وذهب ليحطم ويدمر، ويرتكب المزيد من الجرائم.
هناك الكثير من الحكايات والأرقام التى تشير إلى أن عملية النصب مستمرة منذ فترة، وأن النصابين يواصلون عملهم ويجدون الكثير من السذج، لكن الأرقام مثل الموضوع كله، فيها خلط وتداخل، ثم إن الفيديوهات التى يظهر فيها بعض النصابين أو المدعين، هى نفسها خالية من العقل والمنطق.
القصة - كما قلنا - مكررة، تتغير فيها الأسماء والأماكن، لكنها تكشف عن استعداد الكثيرين لتصديق الشائعات، وتقديم أموالهم بكل رضا ومن دون أى ضمانات، وهؤلاء يعرفون قصص النصابين السابقين، والمستريحين وعصابات توظيف الأموال، لكنهم يتصورون أنفسهم بعيدا عن الوقوع فى الشرَك، وبالطبع هناك دائما من بين مساعدى النصاب شيخ يدعى تحريم الإيداع فى البنك، ليسهل للنصاب خداع الناس، فيمنحون النصاب أموالهم بكل ارتياح واطمئنان، حتى تطير، ويفترض أن يشمل العقاب من ساهموا فى تسهيل عمليات النصب، مثل عقاب النصاب نفسه.
وهؤلاء غالبا هم من يصدقون الشائعات على مواقع التواصل ويصدقون الشائعات والأرقام التى لم يشاهدوها من قبل، ويحلمون بتحقيق أرباح لا يمكن تخيلها، وفى كل قصة يترك النصاب ضحاياه يندبون حظهم، ويطالبون الدولة بالتدخل والقبض على المستريح، ويتم القبض عليه مثلما جرى مع نصاب أسوان وإدفو والشرقية، وقبلهم نصابو بحرى وقبلى، بعد أن تكون أغلب الأموال طارت، بعد أن منحوها له بإرادتهم،، وحصلوا على إيصالات، وبعضهم لم يحصل على شىء، والقبض على المستريح وسجنه لن يعيد الأموال التى ضاعت، فى نصب علنى من النصابين على «المغفلين»، الذين لا يتعلمون الدرس، بل إنهم أحيانا يضغطون لإطلاق سراح النصاب ليمكنه تسديد أموالهم، قصة تتكرر، والضحايا يستحقون التعاطف، والأهم أن هناك حاجة لتوعية هؤلاء حتى لا تتكرر الخدعة.