كانت الساعة التاسعة صباح 22 مايو، مثل هذا اليوم، 1964، حين تحرك موكب رئيس الوزراء السوفيتى «خروتشوف»، متوجها إلى «مشروع ناصر» فى «مريوط»، وذلك لمشاهدة نموذج لجهد مصر فى استصلاح الأراضى، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 23 مايو 1964.
كان الزعيم السوفيتى يواصل زيارته إلى مصر منذ 9 مايو 1964، واستمرت 16 يوما، حيث غادر القاهرة يوم 25 مايو، ووفقا للأهرام، فإن الرئيس جمال عبدالناصر لم يرافقه فى هذه الجولة، بعد أن اتصل به «خروتشوف» يرجوه أن يستريح ليتعافى من ارتفاع درجة حرارته، وقبل عبدالناصر رجاء ضيفه، واتفقا على اللقاء فى برج العرب لتناول الغداء بعد انتهاء جولته، وتذكر «الأهرام» أن المشير عبدالحكيم عامر رافقه فى الجولة، وتولى عبدالمحسن أبوالنور نائب رئيس الوزراء، شرح أهداف وخطوات المشروع.
أوضح «أبوالنور»، أن المشروع يتضمن إصلاح 80 ألف فدان، أثبتت الدراسات أنها من أجود أراضى مصر، وسأله خروتشوف عن تكاليف المشروع ودخله، فأجاب أبوالنور: «يتكلف 20 مليون جنيه، ودخله فى العام الأول بعد اتمامه عام 1966 سيصل إلى نحو 90 ألف جنيه، تتزايد سنة بعد أخرى ليبلغ أقصاه فى العام الثانى عشر ليصبح 2 مليون ومائتين ألف جنيه، تضاف إلى الدخل القومى سنويا، وإلى جانب هذا يسهم فى تمليك الأرض لنحو 16 ألف أسرة أى 100 ألف فرد يستفيدون به، كما سينتج محاصيل ممتازة من الفواكه والخضراوات تصدر إلى الخارج».
تمتع «خروتشوف» بخفة ظل ملحوظة فى مناقشاته أثناء جولته، فحين شرح له «أبوالنور» على نموذج مجسم للمشروع أنواع المساكن المخصصة للفلاحين والمستشفيات والمدارس والمساجد المقامة، اقترح الزعيم السوفيتى إقامة عمارات ذات 3 أو5 طوابق لسكن الفلاحين بحيث يسكن كل فلاح فى شقة، وبذلك يمكن توفير مساحة كبيرة من الأراضى المخصصة لبناء المساكن، ورد «أبوالنور» بأن الفلاح المصرى يفضل أن يكون منزله قاصرا عليه هو وأفراد أسرته، ونادرا ما يسكن الفلاح المصرى مع أسرة فلاح آخر فى منزل واحد.. ضحك خروتشوف، وقال إنه فى الاتحاد السوفيتى يوجد مسلمون يتصرفون نفس التصرف، ويرفضون أن يسكنوا فى بيت يسكن معهم فيه أحد آخر.
تذكر «الأهرام» أن خروتشوف اتجه إلى المنطقة الشمالية لمديرية التحرير بالقرب من ترعة النوبارية، وزار قرية «المجد» وشاهد مزارع الكروم وزراعة الأراضى الصحراوية، وخلال مروره بمزارع الكروم ضحك متذكرا حكاية وقعت له مع الإمام البدر «إمام اليمن السابق»، عندما زاره فى موسكو، فقد دارت بينهما مناقشة عن النبيذ، هل هو حرام أم لا؟.. وتدخل وزير مالية اليمن الذى كان يرافق البدر، وقال إن النبيذ ليس حراما، ولكن «البدر» أسرع مؤكدا أنه حرام، وحاول «خروتشوف» أن يناقشه، لكن البدر أصر على رأيه، وبعد انتهاء المناقشات غادر البدر المكان، ودخل إلى غرفته.. يضيف خروتشوف: «تصادف أننى دخلت إلى غرفة البدر بعد ذلك فوجدته ممسكا بزجاجة نبيذ يشرب منها مباشرة».. تذكر الأهرام: «أعاد خروتشوف الفقرة الأخيرة مرة أخرى، وقال وهو يضحك لمرافقيه: تصوروا أنه كان يشرب من الزجاجة مباشرة».
وصل خروتشوف إلى مزارع القمح.. تذكر الأهرام: «أبدى إعجابه بأعواد القمح، وأمسك بإحدى حباتها ونزع أغلفتها ليتبين مدى جودتها، وقدم الفلاحون إليه «منجلا»، فأمسك به وهو يضحك، وحصد بعض الأعواد إيذانا ببداية موسم الحصاد، وحمل معه الأعواد، وراح يعرضها على المشير عبدالحكيم عامر وهو يضحك، ثم سأل عن نظام رى القمح، قائلا: إننا فى روسيا نروى القمح مرة واحدة، كما سأل عن الأسمدة والكيماويات اللازمة منها لكل فدان، وعندما حاول أن يعيد المنجل إلى الفلاحين رفضوا أن يتسلموه، واعتبروه هدية منهم له.
فى قرية «القاهر» إحدى قرى الإصلاح الزراعى الصغيرة، شهد هو والمشير عامر فى ناديها عرضا لفنون القرية المصرية قدمه الفلاحون والفلاحات، وعلى أنغام المزمار البلدى شهد عرضا راقصا قدمته الخيول العربية، ثم عرضا فى التحطيب أداه فلاحو القرية، وقبل أن يغادرها قدم له «أبوالنور» هديتين، الأولى، تمثال يمثل نهضة الريف المصرى على هيئة فلاح وفلاحة يرفعان أيديهما المشتبكة إلى أعلى، أما الهدية الثانية باسم وزارة الزراعة وهى عبارة عن «جواد عربى» أصيل اسمه «أسوان».. تذكر الأهرام، أن خروتشوف عندما شاهد الحصان قال وهو يضحك: «عندما أعود إلى الاتحاد السوفيتى سوف يسألنى أولادى»، وسكت لحظة وعاد ليقول وضحكه يزداد: «أقصد أحفادى، سوف يسألوننى: ماذا سأصنع بهذا الحصان، وسيقولون لى هل تستطيع ركوبه يا جدى؟.. وبما أننى لا أستطيع ذلك الآن، فسأضعه فى مزرعة خاصة لأنه هدية قيمة جدا، وسأزوره أنا وأحفادى كل يوم أحد».