رغم كل الضجة التى رافقت القبض على النصابين فى أسوان والشرقية وقبلهما الإسكندرية والغربية وباقى المحافظات، فإن الظاهرة تستمر، حيث يظهر نفس النصاب ليروج نفس الدعاية عن أرباح خرافية، يذهب إليه المواطنون بكل رضاهم ليمنحوه أموالهم، يجمعها ويهرب، وتذهب الأموال فى مهب الريح.. فهل هؤلاء الضحايا لا يتابعون أخبار النصابين وبكاء الضحايا رغم كل هذا النشر والنقاش فى الفضائيات والبرامج؟ أم أنهم يتابعون ويعتبرون أنفسهم مختلفين ويضعون أموالهم وثقتهم فى نصاب يروج دعايات مبالغ فيها؟، الواقع أن بعض الضحايا اعترفوا أنهم تصوروا أن المستريح يعمل فى أنشطة غير مشروعة تدر أرباحا خرافية، وبعضهم قال إنه تشجع عندما رأى بعينيه حصول مودعين على أرباح، والواقع أن هذه اللعبة جزء من عملية النصب، مداعبة غرائز الربح الخرافى، مع استعمال مدعى فقه يفتون بتحريم إيداع الأموال فى البنوك، ويحصلون على نصيبهم من أموال الضحايا من دون أن يدركوا أنهم يرتكبون جريمة سرقة بالقانون والشرع.
والواقع أن أكبر عملية نصب تمت مع شركات توظيف الأموال لعب فيها عدد من المشايخ وقتها دورا واضحا ومعهم مسؤولون منحوا الشركات ثقة قبل أن تحدث الكارثة، ورغم أن كبار رجال توظيف الأموال اعترفوا بالنصب، فقد ظلت هناك أصوات تزعم أنهم تعرضوا لمؤامرة، لصالح البنوك، بالرغم من أن خبراء الاقتصاد حذروا وقالوا إن الأمر يقود لكارثة، وهو ما حدث، حيث حصل بعض المودعين على أرباح شهرين أو ثلاثة، ثم توقفت الفائدة وانتهت الشركات لكارثة وتلاعب بعض كبار النصابين بالمودعين وأوهموهم أنهم يتعرضون لمؤامرة، بينما كانت الحقيقة أنهم خدعوا المودعين ووظفوا كبار رجال الدين والدنيا فى الخدعة.
اللافت للنظر أن الشركات كانت تمنح 25% فائدة وقتها، ضعف ما كانت تقدمه البنوك تقريبا، وهى نسبة كانت ضخمة وقتها واتضح أنهم كانوا يقدمون الفائدة للمودع القديم من الجديد، ويومها ثار نقاش أن البنوك لو قدمت فرصا استثمارية يمكن أن تشجع الناس على إيداع أموالها، لكن الحقيقة أن الفتاوى التى حرمت الإيداع فى البنوك كانت تخدم فكرة البنوك الإسلامية التى تمنح نفس الفائدة تحت اسم مرابحة، وكانت ترتبط بالاقتصاد العالمى بنظام الفائدة، أى أنها كانت مجرد خدع نجحت فى دفع المودعين لتفضيل الشكل على المضمون.
وتقريبا هى نفس العقليات الحالية، الدعاية والفتاوى، ومزاعم بأرباح ليست 25% كما كانت أيام توظيف الأموال بل 100%، وهى أرقام ليست اقتصادية ولا مالية، ولا تعقل، ومع هذا هناك من يصدقها، وبالتالى فإن البنوك التى سبق وقدمت شهادات أو رفعت الفائدة لن تجارى الأرقام التى يعلنها النصاب، وهو ما يجعلنا نرى أن هذه الظاهرة اجتماعية وعقلية تتعلق بالوعى والاستعداد لتصديق الخرافة والأرقام المبالغ فيها، ولا يمانع الشخص من إيداع أمواله لدى شخص لا يمكنه تقديم هذه الفوائد من دون أن يمارس أنشطة غير مشروعة، ثم أنه يصدق الحصول على أرباح تساوى أمواله خلال شهور، وبالتالى لن يقتنع بأى حل لدى البنوك أو المؤسسات المالية والشركات، وهو يريد تحقيق ربح ضخم فى فترة قصيرة، وهو أمر لا يخلو من طمع، وأيضا سذاجة ترافق هذا الطمع، وبالتالى فإننا ونحن ندين الضحايا الذين لم يتعلموا من دروس ضحايا سابقين لنصابين، وما زالوا مستعدين لتصديق النصاب وهو يعدهم بأرباح خرافية، فهؤلاء الضحايا يصعب إقناعهم بإيداع أموالهم فى أوعية ادخارية يرونها أقل كثيرا من وعود النصاب.
نحن هنا أمام ظاهرة اجتماعية فضلا عن كونها اقتصادية، تتعلق بخليط من الطمع والسذاجة، مصحوبة بالسرية، فهؤلاء الضحايا لا يفكرون فى إشراك الجهات الرسمية، ويحرصون على السرية، وهم يمنحون أموالهم للنصابين، فإذا ضاعت أموالهم يسارعون بالصراخ والشكوى، بعد أن تكون الأمور ساءت والنصاب أنفق أموالهم، ويتم القبض على النصاب بعد ضياع الأموال، فى ظاهرة تتكرر ومبالغ ضخمة، بعضها تحويشة عمر أو ثمن منزل أو أرض أو مواشى، وتكون الخسارة مضاعفة، ولهذا فإن التعاطف مع الضحايا لا يفيد فى رد أموالهم.