أقلعت السفن من الإسكندرية بجنود الاحتلال الفرنسى فى سبتمبر 1801، بعد ثلاث سنوات من قدومهم بقيادة نابليون بونابرت لاحتلال مصر، وكان ذلك انتصارا للمقاومة الأهلية، التى أظهرت العامل القومى للتخلص من احتلال الفرنسيين، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الثانى من موسوعته «تاريخ الحركة القومية، وتطور نظام الحكم فى مصر»، مضيفا: «ظل العامل القومى محتفظا بقوته بعد جلاء الجيش الفرنسى، فلم يستطع الترك ولا المماليك، ولا الإنجليز أن يهزموه أو يقهروه، أو يبعدوه عن الميدان، وكان من نتائجه بعد انتهاء الحملة الفرنسية ثورة الشعب على حكم المماليك، ثم على الوالى التركى، ثم المناداة بمحمد على واليا مختارا على مصر».
سبق اختيار الشعب المصرى لمحمد على واليا عليهم فى 13 مايو 1805، أن تقلد حكم مصر خمسة منذ مغادرة الحملة الفرنسية، ووفقا للرافعى هم: «أولهم خسرو باشا وقد خلع، ثم طاهر باشا وقد قتل، ثم أحمد باشا وقد طرد، ثم على باشا الجزائرلى وقد قتل، ثم جاء خورشيد باشا وقامت الثوة ضده لتقرر تولى محمد على».
كان تعيين أحمد باشا وخلعه بعد يوم واحد، إحدى الحوادث الغريبة التى جرت فى الطريق الذى كان يمهده محمد على لنفسه كى يكون حاكما لمصر، واللافت أيضا أنه تولى بعد «طاهر باشا» الذى قتل بعد عشرين يوما فقط من اختيار المشايخ له يوم 6 مايو 1803 واليا، وقتله جنود الانكشارية «قوات النخبة العثمانية فى مصر».. يذكر الرافعى: «فى 26 مايو، مثل هذا اليوم، 1803 ذهب رهط منهم يبلغ عدده نحو 250 فى أسلحتهم إلى طاهر باشا وعلى رأسهم اثنان من أغواتهم «رؤسائهم» وهما موسى أغا وإسماعيل أغا، فدخلا على طاهر باشا وكلماه فى الشكوى من تأخير الرواتب، فانتهزها فرصة ورفض أن يسمع إلى شكواهما، واشتد الجدال والخصام بينهم، فجرد أحدهما سيفه، وضرب طاهر باشا فقطع رأسه ورمياه من الشباك، وأحرقوا داره ونهبوها، وكانت مدة حكمه أياما معدودة.. قال الجبرتى: «ولو طال عمره أكثر من ذلك لأهلك الحرث والنسل».
يذكر الرافعى، أن قوات المماليك وجنود محمد على كانت على أبواب القاهرة، وبادر «الانكشارية» إلى تعيين واحد منهم يخلف طاهر باشا، فوقع اختيارهم على «أحمد باشا» والى المدينة المنورة، وكان موجودا وقتئذ فى القاهرة، وأرسل يستميل محمد على الذى دخل القاهرة واحتل القلعة وأصبح قائدا للجنود الألبانيين وعددهم 4 آلاف مقاتل.. يؤكد الرافعى، أن محمد على كان ملتزما فى الظاهر بالحياد أثناء فترة «خسرو باشا» ثم «طاهر باشا»، لكنه كان ينتظر الفرصة السانحة ليحقق برنامجه، فلما عين الانكشارية أحمد باشا صمم على الخروج من حيدته وعزم على التحالف مع المماليك.. يؤكد الرافعى: «أراد أحمد باشا أن يستميل إليه العلماء، ويستخدم نفوذهم لتثبيت مركزه وإقناع محمد على بقبول ولايته، فأحضرهم وطلب إليهم أن يذهبوا إلى محمد على ويخاطبوه فى الإذعان للطاعة، فذهبوا إليه وخاطبوه فى ذلك، فأجاب بأن أحمد باشا ليس واليا على مصر، وإنما هو والى المدينة المنورة وليس له علاقة بمصر، ويجب أن يخرج من البلد ويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر إلى ولايته».
قام العلماء من عند محمد على، وتوجهوا إلى «أحمد باشا» لإبلاغه بما قاله محمد على، فطلب منهم أن يأمروا الرعية بالقيام على الألبانيين وقتلهم.. يذكر الرافعى: «قاموا من عنده ليتشاوروا فى الأمر، فطلب إليهم أن يبقوا عنده ويرسلوا للناس بما يأمرهم به، وكان غرضه أن يكرههم فيملى عليهم فلا يعصوا له أمرا، فقالوا إن عادتنا أن يكون جلوسنا فى المهمات بالجامع الأزهر، نجتمع به ونرسل إلى الرعية، فإنهم عند ذلك لا يخالفوننا، وتخلصوا وخرجوا من عنده».
كسر محمد على حياده الظاهرى الذى بدا عليه منذ خسرو باشا..يذكر الرافعى أنه رأى من مصلحته الاتفاق مع المماليك للتخلص من القوة التركية أولا، على أن يعود فيتخلص من المماليك بعد ذلك، ووجد فى مسألة تولى أحمد باشا توقيتا مناسبا للجهر بتحالفه مع المماليك للتخلص منه، واجتمع مع إبراهيم بك فى الجيزة، وألقى فى روعه أنه يؤيده وأنه أولى الناس بولاية مصر، ودخلا الاثنان ومعهما عثمان بك البرديسى وباقى زعماء المماليك القاهرة متحالفين وطردوا أحمد باشا، فكانت مدة ولايته يوما وليلة.. يؤكد الرافعى: «أعلنوا فى المدينة تحالف المماليك والألبانيين واستولوا على زمام الحكم، وبدأت سلطة محمد على تظهر فى الميدان، ونادى المنادون فى القاهرة «بالأمان حسب ما رسم إبراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد على، وكان هذا النداء فى شوارع القاهرة إعلانا باقتسام السلطة بين إبراهيم بك ومحمد على».