على مدار الأيام الماضية، أتاحت القنوات المختلفة مساحات لكثيرين من الخبراء والسياسيين، ليطرحوا وجهات نظرهم فى الحوار، بل وفى السياسات والقرارات، وبعضها كانت آراء تُنشر على مواقع التواصل من طرف واحد، لكن الواقع أن عددا من الذين تحدثوا فى القنوات والبرامج، كانوا أكثر تحديدا، بل وربما سعى بعضهم إلى طرح وجهة نظره مشفوعة بقراءة، وانطلاقا مما تحقق، مع بعض الاختلاف والاتفاق، وهو مكسب يشير إلى أن الحديث أمام الكاميرا والجمهور تترتب عليه مسؤولية أكبر أمام الجمهور، توقعا لمناقشة ورد، أو أسئلة تتفاعل مع الآراء، وهذه الأحاديث والآراء تؤكد أن توسيع المجال يضطر المتحدث لمراجعة آرائه وضبط مصطلحاته، وهو ما يؤكد أهمية مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالدعوة لحوار بين كل القوى دون استثناء أو تمييز، بما يتيح أرضية للتفاهم والتفاعل انطلاقا من مسؤولية عن الآراء.
الشاهد فى هذا أن الدولة بلغت درجة من اللياقة، تضاعف من حجم الثقة والاطمئنان، والشعب لديه حواس قادرة على الفرز والتفاعل، خاصة مع الآراء الجادة، حيث إن هناك تجربة 12 عاما، شهدت تحولات كبيرة، وتجارب أنتجت سياقا تختلف فيه الآراء عن الواقع، أو القدرة على طرح برامج وبدائل، وعدم الاكتفاء بالكلام أو إطلاق الأحكام على مواقع التواصل.
كل هذا يؤكد أن الحوارات والمناقشات تعكس حالة من الحيوية بين الدولة والمجتمع، تسمح بالمزيد من إدارة التنوع سياسيا ومجتمعيا، بعد أن قطعت شوطا فى ملفات كثيرة، ربما تكون بحاجة لتركيز الأضواء عليها ومناقشتها، من خلال المعاينة والتوصل لنتائج على الأرض.
ومن مَيزات الحوارات التى تفتح المجال لسياسيين أو خبراء متنوعين، أنها تقدم تقييما مباشرا لمشروعات كبرى، مثل تأمين الطاقة، أو ما نشأ من صناعات أو مشروعات زراعية، أو تقديم آراء للتعامل مع قضايا مطروحة، مثل القضية السكانية التى تمثل أحد الموضوعات المهمة التى تحتاج إلى حلول توقف الانفجار السكانى، خلال سنوات، حتى يمكن الشعور بحجم أى نسبة نمو، فضلا عن تطوير الخدمات والإجراءات الاجتماعية، والصحة، والتعليم، بما يتناسب مع حجم السكان.
ومن ميزات الحوار، أنه سوف يجعل التيارات والخبراء قادرين على قراءة الملفات والتعامل مع الأرقام والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بناء على دراسة، وليس فقط من خلال طرح آراء فردية، قد لا يتوقع صاحبها أن يظهر من يرد عليه، وإذا كانت الدولة تطرح فرصة النقاش حول المستقبل وتوسيع المجال العام، فإن هذا يفتح آفاق التفاهم، ويرتب مسؤولية على أطراف الحوار، يدفعها للاستعداد بشكل يجعلها قادرة على الإقناع، وربما تكون التيارات السياسية بحاجة إلى مواثيق شرف تحكم أسلوب تعاملها مع الدولة، وأيضا مع بعضها البعض، حتى لا يتكرر الصدام السابق غير المرغوب فيه، أو التحرك المعتمد على المجانية.
وتأتى الدعوة للحوار بعد شهور من إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى تتضمن الكثير من المواد والبنود التى تغطى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، بجانب حرية الرأى والتعبير، والممارسة السياسية، والرضا الشعبى، وجودة الخدمات، وقد صدرت الاستراتيجية بناء على مناقشات وبمشاركة واسعة من المعنيين بالملف، بما يجعلها محل توافق، وقد صدرت بناء على معطيات محلية، انطلاقا من أن كل دولة لها ظروفها السكانية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، والتى يفترض التعرف عليها لاتخاذ القرار، وهناك أهمية لأن تتفاعل أطراف الحوار مع هذه الاستراتيجية، بما يجعلها أساسا يمكن الانطلاق من تطبيقه لحل الكثير من الملفات وتلبية المطالب، بما يفتح بابا للنقاش حول المستقبل، وبما يضمن حياة سياسية نشطة، ومجتمعا أهليا متفاعلا، يخضع للقانون ويعمل تحت مظلته.
كل هذه نقاط تشير إلى أرضية يمكن الانطلاق منها لبناء الثقة، ورسم خطوط تفتح المجال، وتسمح بتنوع حيوى يستند لمعلومات ويضاعف من القدرة على رسم خرائط المستقبل.