شهدت العاصمة السويدية اليوم افتتاح مؤتمر "استوكهولم +50"، احتفالا بمرور نصف قرن على "مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة البشرية"، حيث تم انعقاده اول مرة في استوكهولم في يونيو عام 1972، ولا يمكن أن تمر هذه المناسبة دون الحديث عن الدكتور مصطفى كمال طلبة، حيث أطلق هذا المؤتمر العمل الدولي في مجال البيئة، وأسفر عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، وقاد العمل البيئي العالمي منذ ذلك التاريخ.
حيث ارتبط هذا المؤتمر عالميا بالعمل البيئى، لكن الملفت للنظر، أنه خلال انعقادات هذا المؤتمر فى كافة دول العالم، ترديد أسم العالم المصري مصطفى كمال طلبة، الذى كان رئيسا لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا فى هذا الوقت، حيث مثل مصر والدول العربية والإفريقية على حد سواء وكان دومامتحدثاً باسمها.
الدكتور مصطفى طلبة هو مؤسس مفهوم "دبلوماسية البيئة"، فقد نجح في تحويل العمل البيئي من شعارات أطلقها مؤتمر استوكهولم، حول البيئة الإنسانية فى عام 1972، إلى معاهدات واتفاقات دولية، وخرجت فكرة تأسيس ال"UNEP"
والبداية كانت من استوكهولم، حيث تم انتخاب مصطفى كمال طلبة نائباً للرئيس، خلال المؤتمر، كما قامت المجموعتان العربية والأفريقية بتعينه متحدثاً باسمهما، ووقتها كان هناك جدل على مسودة «إعلان استوكهولم»، بين الدول النامية والدول الصناعية، ضمن جلسات مفتوحة امتدت لليوم التالي، وفي محاولة لحل الخلافات، قام الأمين العام للمؤتمر، موريس سترونج، بتشكيل لجنة من رؤساء الوفود، بالمناصفة بين الدول النامية والدول الصناعية، حتى يجتمعوا ويتشاوروا في مشاورات غير رسمية، من أجل إيجاد حل لبعد القضايا البيئية المعلقة.
ووقتها كان لطلبة الدور الأساسي في إعداد صياغات توفيقية بين الدول النامية والدول الصناعية، وصولاً إلى صيغة مقبولة من الطرفين، وخاصة تلك المتعلقة بالمناخ، حيث ان محور الخلاف كان حول تحديد درجات المسؤولية عن التلوث، واستنزاف الموارد، تمهيداً لتوزيع الأعباء والتكاليف.
وبعد ذلك من ضمن نتائج المؤتمر التوصية بإنشاء منظمة أو كيان ما في الأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر، وبناء على ذلك بتوجه موريس سترونج، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1972، وتم أنشاء الجمعية العامة برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) كما اقترحه المؤتمر.
يتكوَّن UNEP من مجلس محافظين من 56 دولة تنتخبها الجمعية العامة، وصندوق تمويل، وسكرتارية يرأسها مدير تنفيذى، ينتخب بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس تنسيق مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى، كان يسمى مجلس تنسيق البيئة، وكان الكندي موريس سترونج أول مدير تنفيذى تنتخبه الجمعية العامة.
ومع انطلاق برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) بداية 1973، طلب سترونج من طلبة قبول ترشيحه كنائب للمدير التنفيذى، خاصة أن الدول النامية ما زالت غير متحمسة لقضية البيئة، ووجود أحد أبنائها في القيادة سيحفزهاعلى الاهتمام أكثر، وبعد ذلك حصل الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كورت فالدهايم على الموافقة من الحكومة المصرية، على تعيين طلبة نائباً للمدير التنفيذي للمنظمة الجديدة.
وبعد ذلك بدأ برنامج الأمم المتحدة للبيئة عمله من مكاتب مؤقتة في جنيف، قبل انتقاله إلى مقره الدائم في نيروبى أواخر صيف 1973، وعند إقرار إنشاء «UNEP»، قامت كينيا بعرض مشروع قرار يصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، مكون من فقرتين، تنصّ الفقرة الأولى منه أن أي منظمة جديدة تنشأ في الأمم المتحدة، لا بد أن يكون لها مركز رئيسي فى دولة نامية، فالمعتاد أنه لم يكن يوجد أى مراكز خارج أميركا الشمالية وأوروبا الغربية، ونصت الفقرة الثانية من مشروع القرار، باختيار نيروبي مقراً للمنظمة الجديدة.
وبعد ذلك وافقت الدول النامية على الفقرة الأولى، وتنافست المكسيك والهند وكينيا على المقر، لكم فازت نيروبي عاصمة كينيا، لأنها كانت الأجمل جواً وطبيعة وموقعاً جغرافياً، وكان المقر ناطحة سحاب تحمل اسم «مركز كينياتا للمؤتمرات»، على اسم جومو كينياتا أول رئيس للجمهورية في كينيا، وتم تخصيص ستة عشر طابقاً في مبنى مكون من 29 طابقاً للمنظمة الوليدة، بالإضافة إلى أن الحكومة الكينية ستتكفل بدفع نصف إيجارها لمدة خمس سنوات، ومائة فدان من الأراضى في منطقة غابات جيجيري خارج نيروبي مباشرة.
وتم العمل لمدة سنتين في نيروبي، ثم اقترح موريس سترونج على الحكومة الكينية الدفع مقدماً قيمة إيجار المقر عن لثلاث باقية، ووافقت الحكومة الكينية وبعد ذلك أبلغ سترونج مجلس المحافظين في «UNEP» حصوله على مليون دولار، قيمة الإيجار، وطلب موافقة المجلس على قبول المبلغ، بشرط أن يستدين من صندوق المنظمة مليون دولار أخرى لتشيد مبنى خاصاً ببرنامج الأمم المتحدة للبيئة على الأرض التي قدمتها الحكومة الكينية، وأن يُعيد المبلغ إلى صندوق المنظمة على أقساط سنوية تعادل قيمة الإيجار، على أن يتم ذلك بعد الانتقال إلى المبنى الجديد، فوافق المجلس، وتم تشيّد «UNEP» كمبنى بسيط تم تسلميه في نهاية 1975، و شغلت المكاتب الإقليمية لمنظمات أخرى أقساماً منه بالإيجار.
وبعد أقل من ثلاث سنوات على إقناع موريس سترونج الحكومة الكندية بإنشاء مؤسسة وطنية للطاقة، وتم تعيينه رئيساً لها، وترك «UNEP» نهاية 1975.
وتم انتخاب الدكتور مصطفى كمال طلبة مديراً تنفيذياً للبرنامج لمدة أربع سنوات، من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم تم التجديد له أربع مرات أخرى حتى عام 1992.
الدكتور مصطفى كمال طلبة ولد في مدينة زفتى بمحافظة الغربية 1922، وحصل على درجة الدكتوراه عام 1949، تم تعينه أمينا عاما للمجلس الأعلى للعلوم في مصر عام 1961 وفي العام 1965، ووكيلا لوزراة التعليم العالي للشؤون الثقافية، كما أصبح وزيرا للشباب عام 1971، في العام 1972 أصبح رئيسا لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ومديرا تنفيذيا اليومي من 1975حتى 1992، وأشرف على كثير من الرسائل العلمية ، كما نشرت له مئات المقالات والأبحاث العلمية، وكان عضو في كثير من المحافل العلمية العربية والدولية، وترأس المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وترأس الكثير من المناصب للجمعيات البيئية.